الانتظار الطريق إلى الانهيار

الانتظار... الطريق إلى الانهيار

المغرب اليوم -

الانتظار الطريق إلى الانهيار

الدكتور ناصيف حتّي*
بقلم: الدكتور ناصيف حتّي*

هنالك نوعٌ من القدريَّةِ السياسية في لبنان تتعلَّق دائماً بانتظار الحلول الخارجية لتسوية الوضع الداخلي المتأزّم في لحظة معينة. يقوم هذا المنطق على اعتبار أنَّ التفاهمَ الخارجيَّ يسهّل، أو يصنع التفاهم الداخلي أو يساعد بشكلٍ كبير في صياغة التفاهم، عندما تكون هنالك أزمةٌ مستعصية.

الرهان على الخارج سواء على تفاهم يحصل أو انتصار حليف أو صديق، يفترض حسبَ هذه القدرية السياسية اللبنانية، أن ينعكسَ في صياغة الحل الداخلي. نقول ذلك لأنَّنا نشهد اليوم رغم الظروف الصعبة جداً التي يعيشها لبنان منذ انفجرت الأزمة المالية الحادة، والتي هي نتاج سنوات من سياسات غير واقعية وغير مسؤولة، طالت أموال المودعين وتداعيات ذلك على حياة الناس اليومية في المجالات كافة. إنَّ منطق الانتظار ما زال هو السائد. سواء كان ذلك الانتظار عند الجميع أو عند الأطراف الممسكةِ باللعبة السياسية الداخلية في لحظة معينة، والتي تملك قوةَ النَّقض المسبق لأي توجه لا يلاقي قبولاً منها.

الحرب الإسرائيلية على غزة والربط المباشر للجبهة اللبنانية بجبهة غزة - تحت عنوان التضامن مع القضية الفلسطينية عبر مشاغلة العدو الإسرائيلي، كما أعلن «حزب الله» منذ اليوم الأول للحرب؛ وذلك لتخفيف الضغط عن القطاع في حرب الإبادة التي تشنُّها إسرائيلُ ضد القطاع - جعلا إعادة تكوين السلطة التنفيذية في لبنان (انتخاب رئيس بعد خمسة عشر شهراً من الشغور الرئاسي) وتشكيل حكومة، أمراً مؤجلاً ومفتوحاً في الزمان، أياً كانت العناوين أو الحجج التي تعطى لهذا التأجيل.

مخاطرُ استمرار الحرب في غزة وعلى جبهة الجنوب اللبناني رغم أنَّ قواعد الاشتباك القائمة ما زالت ناظمة للحرب الدائرة؛ إذ لا قرار عند أحد بالذهاب إلى حرب مفتوحة ستكون تداعياتها كبيرة جداً. قواعد الاشتباك هذه شهدت تصعيداً يمكن وصفه بالمتوازن الثلاثي الأبعاد (في الجغرافيا والأهداف والقوة النارية) ولكنَّها ما زالت ناظمة للقتال الدائر. لكن التكلفة الاقتصادية لبلد منهك أساساً، ويعيش أزمة مالية اقتصادية اجتماعية حادة منذ أربع سنوات تقريباً، كبيرة إذ زادت على ملياري دولار تقريباً في الـ100 يوم الأولى كما يرى عدد من الاقتصاديين؛ بسبب ما أصاب قطاعات الإنتاج المختلفة من خسائر مباشرة أو غير مباشرة. بلد صار فيه منذ انفجار الأزمة المالية نحو 70 في المائة من الأسر غير قادرة على توفير المستلزمات المعيشية الأساسية والنسبة هذه في ارتفاع مستمر... وبالطبع كلما استمرت أيام الحرب زادت بشكل متسارع مع الوقت تلك الخسائر. يحصل ذلك كما أشرنا في زمن يعاني فيه الاقتصاد اللبناني أزمات كبيرة. فالإصلاحات البنيوية أكثر من ضرورية للنموذج الاقتصادي اللبناني، ولم تعد المراهم تفي بالهدف أو حتى بتأجيل تداعياته المختلفة والمتزايدة مع الوقت على الجميع. وهنالك الحاجة الماسة إلى تطوير شبكة أمان اجتماعي، وكذلك للإنفاق في المجالين الاجتماعي كما أشرنا، والإنتاجي كذلك. وللتذكير، فإنَّ الأزمة المالية وما حصل يعكس أساساً أزمة نموذج اقتصادي هنالك حاجة ماسة إلى تطويره وإصلاحه جذرياً، وهو الأمر الذي يحتاج أيضاً إلى إصلاح سياسي وبناء دولة المؤسسات على حساب دولة يتحكم فيها منطق الطائفية السياسية والزبائنية. المنطق الذي يغذي ويتغذى على شخصنة السلطة وتطييفها. الحاجة إلى الإصلاح اليوم صارت أكثر من ضرورية، وكذلك الأمر الحاجة إلى بلورة عقد اجتماعي جديد وخطة تنمية شاملة ومتعددة ومترابطة الأبعاد.

لذلك؛ من المطلوب الذهاب نحو إعادة تركيب السلطة اليوم قبل الغد، والانتهاء من الفراغ القاتل، والحوار حول بلورة برنامج إصلاحي هيكلي وشامل صار أمراً أكثر من ضروري. والمطلوب ليس حواراً حول العناوين، بل حول المضامين، حول الخطوات المطلوب المضي بها للإصلاح في عملية الانقاذ الوطني. خطة تكون بمثابة برنامج عمل للرئيس الذي حان انتخابه وإنهاء الشغور القاتل، ولتشكيل ما يعرف في الأزمات «بحكومة مهمة» تكون بمثابة فريق عمل مع الرئيس لإطلاق عجلة الإصلاح الهيكلي والشامل وبشكل تدرجي. أمام استحقاقات الداخل الضاغطة والإصلاح للإنقاذ اليوم قبل الغد وأمام الاستحقاقات التي ستترتب على الصعيدين الاستراتيجي (بسبب حجم التطورات المحتملة في الجوار المباشر وفي الإقليم) وكذلك السياسي، فمن الضروري إنهاء الفراغ القاتل عبر تكوين قيادة حكيمة ورؤيوية وقادرة على قيادة «السفينة الوطنية» في بحر شرق أوسطي متوسطي هائج؛ لأن الجميع خاسر إذا - لا سمح الله - غرقت تلك السفينة بسبب عدم وجود قبطان. فالانتظار، حتى يأتي الترياق من الخارج، دون أن ننفي دور الخارج المساعد، يعني عملياً الموت البطيء والانهيار أو الانتحار.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتظار الطريق إلى الانهيار الانتظار الطريق إلى الانهيار



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib