هل يعيد بايدن إحياء عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين

هل يعيد بايدن إحياء عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين

المغرب اليوم -

هل يعيد بايدن إحياء عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين

مفيد الديك
بقلم : مفيد الديك

لا شك أن حرب غزة الأخيرة، المدمرة والدموية، بين فصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل الشهر الماضي قد أعادت القضية الفلسطينية والصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى صدارة المشهد السياسي الشرق أوسطي، بل والعالمي، بعد سنوات من الهدوء المصطنع. ولا شك أن هذه المواجهة، رغم دمويتها وتدميريتها، قد غيرت قواعد اللعبة قليلا بين إسرائيل والفلسطينيين، خصوصا أن فصائل المقاومة وسعت رد فعلها ليتجاوز مجرد الرد على أي هجمات إسرائيلية على غزة أو حدودها أو اغتيال شخصيات من فصائل المقاومة، وصولا إلى الرد على أي استفزازات إسرائيلية في القدس بل وبقية أرجاء الأراضي الفلسطينية. 

وكما لاحظنا خلال الأسابيع الماضية، بدأت إسرائيل تأخذ على محمل الجد تهديدات فصائل المقاومة بشأن أي إجراء استفزازي أو تهويدي إضافي تقوم به إسرائيل في القدس، خصوصا لناحية المسجد الأقصى. فقد أجلت الحكومة الإسرائيلية حكم المحكمة العليا الإسرائليية لناحية طرد سكان حي الشيخ جراح الفلسطينيين، وألغت مرتين مسيرة الأعلام التي تريد منظمات يهودية متطرفة تنفيذها عبر القدس العربية وصولا إلى المسجد الأقصى. هذا تغير كبير في "قواعد الاشتباك" بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية لم يحدث منذ العام 1967.

إدارة بايدن لم تغب عنها كل هذه التطورات، وهي تراقبها عن كثب وتحاول التعامل معها بما يتسق مع قدراتها وإمكانياتها ورغبتها في الغوص في عملية سلام شرق أوسطية جديدة، ومع أولوياتها التي وضعتها لنفسها في ملف السياسة الخارجية منذ وصولها إلى البيت الأبيض قبل خمسة أشهر. هل ترغب إدارة بايدن في غمس يديها من "الكوع إلى الرسغ" في استئناف ملف عملية السلام الميتة أصلا بين إسرائيل والفلسطينيين؟ نعم. هل هي قادرة على ذلك؟ نعم. لكن السؤال الأهم هو، هل تخطط لذلك؟ أشك بقوة في ذلك. إدارة بايدن تشعر أن هناك ثلاثة عوامل جديدة تدفعها للتفكير في محاولة الغوص في هذه العلميلة المعقدة من جديد، وهذه هي: 

أولا، المواجهة الدموية الأخيرة بين إسرائيل وفصائل المقاومة في غزة والتي انتهت بوقف إطلاق النار الذي أنجزته أساسا الدبلوماسية الهادئة لإدارة بايدن. هذه المواجهة أكدت من جديد أنه رغم الصراعات الأخرى في المنطقة، فإن الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين هو "أم الصراعات"، وهو صراع سيواصل الظهور على المسرح بين الفينة والأخرى حتى وإن خفت قليلا. 

والثاني التغير الوشيك في المشهد السياسي الإسرائيلي، أي وصول تحالف لابيد-بينيت إلى سدة الحكم في إسرائيل وإسدال الستار على حكم "الملك بيبي" لإسرائيل. نتنياهو، وإن كان يقبل بحل الدولتين نظريا، هو أكثر زعيم إسرائيلي قام بكل ما بوسعه لجعل ذلك الخيار مستحيلا وإلى الأبد.

والثالث هو التغير الذي لا يمكن تجاهله في المشهد السياسي الأميركي نفسه، لا سيما في مواقف الجيل الجديد من أعضاء وناشطي الحزب الديمقراطي. تصريحات عضوي مجلس الشيوخ، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس بوب مننديز، المؤيد الثابت لإسرائيل التي انتقد فبها إسرائيل بقوة في حربها على غزة، فضلا عن تصريحات السناتور التقدمي اليهودي الأميركي بيرني ساندرز، وهو المرشح الديمقراطي للرئاسة الذي نافس بايدن بقوة على ترشيح الحزب للانتخابات، هي مجرد شاهد واحد على التغيرات الجارية في هذا المشهد، التي لا يمكن لبايدن إلا أن يلاحظها. هذا فضلا عن الصوت العالي لفريق التقدميات في الكونغرس من أعضاء الحزب الديمقراطي – الفلسطينية الأميركية رشيدة طليب، الصومالية إلهان عمر والنجمة الصاعدة ذات الشعبية العظيمة من نيويورك ألكزاندرا كورتيز.

لكن السؤال المهم هو: هل تكفي هذه التغيرات لإقناع فريق الأمن القومي لبايدن – وزير الخارجية بيلنكن، وزير الدفاع لويد أوستن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، بأن إحياء عملية سلام بين إسرائيل والفلسطينيين بات أمرا يستحق العناء واستثمارا مناسبا من الرئيس الجديد لوقته ورأسماله السياسي؟؟ اعتقادي هو لا. وهذه هي الأسباب:

أولا، إدارة بايدن جاءت إلى الحكم كإدارة ملفات سياسية داخلية، وليست إدارة سياسة خارجية تبحث عن إنجازات في الملف الخارجي. هذه الإدارة ورثت من دونالد ترامب أميركا مدمرة، سواء لناحية استفحال وباء كورونا الذي أهمله ساكن البيت الأبيض السابق تماما لا لسبب سوى أن التركيز على ذلك الوباء كان يعني بالنسبة إليه أنه رئئيس فاشل، وهو كان كذلك فعلا! ثم هناك الوضع الاقتصادي المدمر للولايات المتحدة، المرتبط بتفاعلات أزمة كورونا، الذي تسبب فيه ترامب أيضا، ويتوجب على بايدن أن يعالجه. هناك أيضا ملف العلاقات العرقية المحلية – بين السود والبيض، بين الآسيويين والبيض، بين اللاتينيين والبيض، وبين المسلمين والبيض في الولايات المتحدة، وهو الملف الذي دمره ترامب تماما في سنواته الأربع العجاف وأعاده إلى خمسينيات القرن الماضي، لا لسبب سوى أنه كان يعتقد أن ذلك كان سيساعده في إعادة انتخابه! 

ثانيا، محاولة إحياء ملف عملية السلام في الشرق الأوسط يستغرق الكثير من الوقت والجهد ورأس المال بالنسبة إلى أي رئيس أميركي. علينا أن نتذكر أن الرئيسيين الأميركيين – وهما ديمقراطيان بالمناسبة – جيمي كارتر وبيل كلينتون – كان يمضيان ما لا يقل عن 20 بالمئة من وقتيهما في معالجة قضايا عملية سلام الشرق الأوسط في سبعينات وتسعينات القرن الماضي. هل لدى بايدن هذا القدر من الوقت والرفاهية؟ لا أعتقد ذلك، إذا كان بايدن يريد أن يخرج من البيت الأبيض بتركة إيجابية يروج لها إما لرئيس ديمقراطي جديد أو لإعادة انتخابه في 2024. 

ثالثا، تعتقد إدارة بايدن بقوة أن الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني ليسا جاهزين لعملية سلام تعالج أسس الصراع بينهما – الأرض والاستيطان والقدس والحدود النهائية والمياه. السلطة الفلسطينية، التي لديها الشهية لخوض عملية سلام جدية ليست لديها الشرعية الكافية لذلك. وحركة حماس التي لديها الشرعية الشعبية لخوض هكذا عملية ليست راغبة فيها الآن! والجانب الإسرائيلي ليس بأفضل حال من الفلسطيني. فنتنياهو سيغيب عن المسرح خلال أيام، ولكن الحكومة المقبلة هي خليط من أحزاب ربما لا يجمعها معا سوى كراهيتها لنتنياهو ورغبتها في إزاحته عن عرشه في حكم إسرائيل.  

هل هذا وضع يشجع فريق أمن بايدن على تقديم المشورة له بأن الوقت بات مناسبا لخوض عملية سلام تستنزف قدرا هائلا من الطاقة ورأس المال السياسي والوقت من رئيس أمامه ملفات في غاية التعقيد داخليا وخارجيا. هل سينصح فريق الأمن القومي لبايدن الرئيس بمحاولة ما قام به ما لا يقل عن 10 رؤساء أميركيين سابقين دون تحقيق نجاحات كبيرة – من ريغان إلى أوباما؟ لو كنت محل فريق أمن بايدن، لقلت لا.

إذن، ما الذي ستقوم به إدارة بايدن في السنوات الثلاث ونصف الماضية من عهده لناحية هذه القضية التي ستظل حاضرة وتنفجر عنفا ودما ودمارا كل بضع سنوات؟ الجواب باختصار هو أن إدارة بايدن، باعتقادي المتواضع، لن تسعى لإطلاق عملية سلام جديدة لمعالجة القضايا الأساسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ما ستسعى إليه هذه الإدارة هو إدارة، نعم، إدارة وليس محاولة حل الصراع العربي الإسرائيلي من جذوره. هذه الإدارة ستقوم بكل ما بوسعها للحفاظ على ما يسمى ما قبل الوضع القائم – status que ante، أي الحفاظ على ما كان عليه الوضع بين إسرائيل والفلسطينيين في أواخر أيام أوباما، وليس أكثر. وسيتجلى ذلك في ما يلي:

أولا، ومرحليا ستركز هذه الإدارة على تثبيت وقف إطلاق النار في غزة وضخ المساعدات لإعمار القطاع الذي دمرته الحرب الأخيرة. وهي ستحاول أيضا الضغط على الأصدقاء والحلفاء للتبرع بسخاء من أجل إعمار غزة.

ثانيا، ترسيخ شرعنة العلاقات مع السلطة الفلسطينية التي قطعتها إدارة ترامب، وهو ما تجلي في اتصال بايدن برئيس السلطة محمود عباس وزيارة بلينكن لأراضي السلطة ولقائه مع مسؤوليها. كما سيتجلى في إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية – التي يُنظر إليها كسفارة أميركية لدى دولة فلسطين فور قيامها، وإعادة افتتاح مكتب السلطة الفلسطينية في واشنطن، وهو المكتب الذي سيخدم كسفارة فلسطينية في العاصمة الأميركية متى ما تحولت الأراضي الفلسطينية إلى دولة مستقلة ذات سيادة.

ثالثا، معاودة تقديم المساعدات المالية وغيرها للسلطة الفلسطينية ومؤسساتها ومؤسسات المجتمع المدني في الأراضي الفلسطينية.

رابعا، ستحاول هذه الإدارة العمل على "إعادة تأهيل" السلطة الفلسطينية التي خسرت الكثير من شعبيتها خلال السنوات الماضية بمساعدة من الأصدقاء والحلفاء في المنطقة، وعن طريق الضغط على إسرائيل للتعامل معها على أساس أنها المؤسسة الوحيدة التي ربما تكون الكيان السياسي الفلسطيني ذي المصداقية وذي الشرعية الكافية لعقد صفقة سلام "مؤلمة" مع إسرائيل مستقبلا. 

للأسف، وبكل صراحة، التفكير بصورة مختلفة عن هذا سيكون من قبيل التفكير غير الواقعي أو الخطاب التعبوي المعنوي العاطفي الذي يهدف إلى ضخ انطباعات في جسم الجمهور العربي بأن الأمور ستتغير بصورة جذرية، وقريبا.

مفيد الديك إعلامي أميركي عربي ودبلوماسي أميركي سابق* 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يعيد بايدن إحياء عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين هل يعيد بايدن إحياء عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 17:34 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
المغرب اليوم -

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب

GMT 07:16 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

الهاتف "ري فلكس" يطوى ليقلب الصفحات مثل الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib