«نوبل» النجدة

«نوبل»... النجدة!

المغرب اليوم -

«نوبل» النجدة

سوسن الأبطح
سوسن الأبطح

بعد إعلانها، عن الفائز بنوبل للآداب على صفحتها على «تويتر» طرحت لجنة الجائزة سؤالاً للتصويت: «هل سبق لك أن قرأت أي شيء لعبد الرزاق غرنة»؟تبين أنه من بين الآلاف الذين شاركوا، أن أكثر من 90 في المائة لا يعرفون أدب غرنة، وأن كثيرين لم يسمعوا باسمه قط. هكذا ولمرة جديدة، تعطي لجنة الجائزة درساً للفضوليين والمتكهنين، الذين توقعوا عشرات الأسماء، ليس من بينها بالتأكيد، الفائز غرنة، واحتار العرب كيف يكتبون اسمه؟ قرنة، جرناه، غورناه أم قورنة؟ وأياً تكن الكتابة، فقد أزاح الرجل ميلان كونديرا هذا الـ«كائن الذي لا تحتمل خفته»، والياباني هاروكي موراكامي الذي ظن البعض أنه رابح لا محالة، وبُغت الفرنسيون بعد أن وضعوا أديبتهم آني إرنو على رأس اللائحة، ثم هوت. وحدهم من رأوا أن «نوبل» ستخرج من مزاجها الغربي هذه المرة لتتوج أفريقياً، سجلوا نصف ربح. فالاسم الذي كان مطروحاً هو الصومالي نور الدين فرح صاحب الثلاثية الشهيرة «دماء في الشمس» وهي تتحدث عن صراعات بلده الصومال. ثمة وجه شبه بين غرنة وفرح، كلاهما أفريقي، من بلاد أنهكها الاستعمار، عاشا مهاجريْن، بعيداً عن بلديهما، ويكتبان بالإنجليزية. أي أن «نوبل» لم تتوج لغة جديدة، وبقيت في إطارها الجغرافي الغربي من حيث اللسان والبيان.

وتبدو «نوبل» رغم عوراتها، والمآخذ عليها، ضرورة أكثر من أي وقت مضى، لتذكيرنا بأن الأدب الكبير له من يكافئه، ولو كان صاحبه مغموراً لا تجد له ترجمة شافية على الموسوعة الافتراضية «ويكيبيديا»، فيما تعثر على مطولات باهرة، حول مدّعي الموهبة، المروّج لهم، رغم أنهم يفتقدون الحد الأدنى من الألمعية الفنية.
العالم في حاجة ماسة لمزيد من الجوائز الأدبية «الحيادية بحق» لإرشاد التائهين بين «أدب التطبيقات» الكارثي، والأدب الشعبي المنتشر كالنار في الهشيم، وأدب النخبة الماهرة التي تنحت في صخر.

لا بد أنك ستصعق إذا ما فتحت تطبيق «واتباد» المشرّع للكتّاب في كل اللغات، ليضعوا نصوصهم، حين تجد الآلاف يتابعون، ويثنون على نص عربي يبدأ كالتالي: «الزمان: منذ أربعين عاماً» ولا داعي لإكمال الباقي، فمن الصعب فهم معنى الجمل، أو متابعة القراءة. ويبدو أن هذا التطبيق المجاني يخترق الآفاق بعد أن جمع مائة مليون مشترك، في غفلة من غرنه وموراكامي ومعهما ستيفن كينغ. فثمة مسالك خطيرة، تنمو في الظل الافتراضي، وعوالم تنشأ في الخفاء، ونصوص يروّج لها، وكتّاب ينالون شهرة، ويجمعون المتابعين، بما لا يحلم به من يعقدون حلقات التوقيع بحضور بضع عشرات من الأصدقاء. ولهذا الصنف من الكتابة التي يتم معظمها على شاشات التليفون ولا تتعدى قراءة الحلقة منها خمس دقائق، روحها، لضرورة شحنها بمفاجآت مستمرة، كونها أشبه بسيناريوهات، قصيرة جداً، لمسلسلات مكتوبة على حلقات.

لكل لغة مساحاتها الافتراضية التي يترعرع فيها كتّاب ونقادهم وقراؤهم ومشغلوهم. عوالم متكاملة. للفرنسيين تطبيق «روكامبول» الذي لا يخجل أحد مديريه من الاعتراف بأنه اجتلب «مؤثرين» من ميادين مختلفة، للكتابة ولتشجيع الآخرين على المشاركة. فكبار المؤلفين، لا يريدون أن يلعبوا دوراً في مثل هذه المساحات، رغم أن الشيكات السخية بانتظارهم. فهؤلاء هم المصيدة التي يمكنها أن تأتي بمزيد من المتابعين... وكلما زاد عدد الموجودين على التطبيق، تمكن من مراكمة الربح.

ثمة تبريرات غير تجارية لهذه الواجهات التي تبغي الاتجار في النهاية. بعضها مدفوع، وآخر مجاني، لكنها تصل إلى الغاية ذاتها. منهم من يستخدمون خوارزميات، لاصطياد نصوص قابلة للحياة من بين أكوام الكلام الغثّ، للاستفادة منها في أفكار سينمائية أو تلفزيونية. واصغ إلى جوليان سيمون مدير تحرير في «روكامبول» يقول إن العمل جارٍ لوضع كتاب في حلقات، لإنجاز كتابات جماعية. فلم تعد المنافسة تسمح بانتظار كاتب واحد يحتاج إلى سنة أو اثنتين لإنتاج كتاب أو سيناريو. أنت تجمع من تجد فيهم الموهبة، وتنتج نصك بأقصى سرعة ممكنة. المهم أن الرجل يسخر من الناشرين الذين لا يزالون ينتظرون كاتباً مسكيناً، يقرع الباب، حاملاً مخطوطته، وينتظر شهوراً ليأتيه الخبر اليقين، وبدلاً من ذلك، يضعون جيشاً من الكتّاب أمام أعينهم، يراقبونهم، للعثور على ضالتهم.
هل بين كل هذه الآلاف الموجودة على التطبيقات، غرنة، وإرنست هيمنغواي، وتولستوي، حتماً. لكن كيف لك أن تغربل؟ ومن يبحث عن الإبرة في كومة قش؟ ما هي المعايير؟ إنها فوضى التكوين الأول، لعالم لم تتضح معالمه. وهكذا، مشاريع تحتاج إلى إدارة على مدار اليوم، وتنظيم محكم، لا يتوفر للتطبيقات التجارية.

عُرف الكاتب بأنه يبحث عن العزلة، هكذا صورته الكتب، ورأيناه في الأفلام، سيجارة ينفثها في يد، يمسك برأسه باليد الأخرى، يدوّن وكأنه يعتصر دماغه. صار للكتّاب طقوس أخرى. ابحث عنهم تجدهم. الكتابة مع الوحدة، غير ممكنة، يقولون لك. يتواعد على منصات خاصة، كتّاب لا يعرفون شيئاً عن بعضهم البعض، في مقهى، في قاعة جامعية، في أي مكان عام، يتجمعون بالعشرات، يكتبون ويتحدثون، ويتناقشون في وقت واحد، ويقرأون لبعضهم البعض، رغم أن لكل منهم مشروعه الكتابي الخاص. رجاء هناك من لا يكفيه الضجيج، فيضيف إليه صخب الموسيقى في سمّاعات أذنيه.

تأتينا نوبل وسط هذه الأخبار الأبوكالبسية، لتذكرنا أن ثمة كتّاباً من صنف الديناصورات المحببة لا يزالون بيننا، يستحقون أن نقرأهم، ونكتشف من لم يتسنَ لنا اكتشافه من بينهم.
شكراً «نوبل»، لأنك أعدت إلينا الأمل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«نوبل» النجدة «نوبل» النجدة



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين

GMT 08:25 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نتائج القسم الثاني لكرة القدم بالمغرب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib