«الأبارتايد» مأزق إسرائيل

«الأبارتايد» مأزق إسرائيل

المغرب اليوم -

«الأبارتايد» مأزق إسرائيل

سوسن الأبطح
بقلم : سوسن الأبطح

الإسرائيليون (المعتدلون) الذين سعدوا بتمييع «أوسلو» يعضّون أصابع الندم. تهميش هذا الاتفاق التاريخي، كان يبدو للمنتصر، انتصاراً جديداً. كتب أحدهم في «هآرتس»: «لقد نجح اتفاق أوسلو في حذف الفلسطينيين سياسيا، بدل طردهم». لكن بعد ثلاثين سنة بالتمام، على المصافحة بين إسحاق رابين وياسر عرفات في البيت الأبيض، والوعود المعسولة بالسلام، وصل الإسرائيليون هم أيضا إلى طريق مسدود، يشعر بعضهم بخوف حقيقي. كانوا يعتقدون أن المزيد من المستوطنات سيؤدي إلى قضم الإرادة الفلسطينية. لكن العقلاء باتوا يعرفون أنهم لفوا الحبال حول رقابهم، وأن هذه البؤر الاستعمارية المسمومة، أصبحت خنجراً قاتلاً، وهي تفقدهم شرعيتهم التي بنوا عليها أمجادهم الديمقراطية المموهة.

زلزال مدوٍ وصلت أصداؤه إلى واشنطن، تصريح رئيس الموساد السابق تامير باردو بأن إسرائيل تفرض «نظام فصل عنصري» على الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، بتقييد حركتهم وإخضاعهم للأحكام العرفية، في حين يعامل المستوطنون اليهود في الأراضي المحتلة وفق نظام مدني. وتامير الذي عينه نتنياهو نفسه، يعرف ما يقول، وله مكانته وتقديره الكبيران، وهو لا يكره إسرائيل بل يسعى لإنقاذها. مجرد النطق بلفظة «أبارتيد» يجعل الإسرائيليين يرتعدون، وهم يبذلون كل غالٍ ورخيص لإبعاد كأس جنوب أفريقيا عنهم. لكن التطورات الأخيرة بعد وصول الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل إلى السلطة، والبدء بإجراءات ما يسمى «إصلاح النظام القضائي»، التي تحد من سلطة المحكمة العليا لإبطال القوانين، وتمنح السلطة لـ«الكنيست» لاختيار رئيس المحكمة العليا وتغيير تشكيل لجنة اختيار القضاة، استثارت الشارع، وأغضبت العلمانيين، وكشفت الغطاء عن المستور. إسرائيل التي تباهت بديمقراطيتها ولو كانت من نصيب اليهود فقط، وصدّقها العالم، تفقد سمعتها، وهو غاية ما تخشاه. فهي دولة ولدت بقرار أممي، وهذا فريد، وعاشت بفضل احتضان حلفاء أقوياء، ستخور حين تفقد دفء الأصدقاء وصنابير تمويلاتهم.

في الأصل المجتمع الإسرائيلي متشظٍ. أمّا والمتطرفون يكسبون وينتزعون المزيد من السلطة، فإن الأقنعة تسقط واحدتها تلو الأخرى. تظلم السماء على العلمانيين في إسرائيل، الشيقل تنخفض قيمته، بعض رؤوس الأموال تهرب، ثمة متبرعون أوقفوا مساعداتهم، لأنهم لا يرون أملاً. صار عدد الراغبين في الرحيل يفوق كثيراً أولئك الطامحين إلى المجيء. كتبت «يديعوت أحرونوت»: «المانحون يقولون إن إسرائيل فقدت سحرها».

بالتالي إسرائيل تفقد نخبها، متعلميها، كل من يستطيع أن يحسّن وضعه يترك البلاد. في إحصاء أخير: ثلث الإسرائيليين يرغبون في الهجرة، و56 في المائة من الشباب يريدون ترك إسرائيل، بعد أن هوت ثقتهم بالمستقبل إلى أدنى مستوياتها. غالبية هؤلاء يبحثون عن خروج نهائي لا رجعة بعده. وهي كارثة، لأن التجنيد العسكري، يقوم على الفئة اليانعة بشكل خاص. سنة قبلها كانت غالبية الشباب تعبر عن رغبة في البقاء، مهما كانت المغريات، انقلبت الأحوال بسرعة. نحو 500 طبيب تركوا إسرائيل بالفعل في الأشهر الأخيرة، ونسبة من البحاثة وأساتذة الجامعات والمهندسين.

التركيبة الاجتماعية تتغير، والصورة تهتز. ينجب المتدينون المتطرفون ثمانية أطفال مقابل ثلاثة لكل عائلة علمانية، ومع الهجرة المتصاعدة لهؤلاء، يقل عددهم ويتقلص نفوذهم. وتصريحات المسؤولين العنصرية الفاقعة، تزيد إحساسهم بالعار والحرج.

أن يقول وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل (يوئيل) سموتريتش، من باريس، إن وجود شعب فلسطيني «اختراع وهمي»، ويدعو قبلها إلى «محو» بلدة حوارة في نابلس، فهذا كان من المستحيلات مع الكلمات المنمقة لمسؤول مثل شيمون بيريز مثلاً. غضبت الخارجية الأميركية وعدّت التصريحات «مهينة» و«خطيرة»، وفرنسا طالبت المسؤولين الإسرائيليين بـ«التحلي بالوقار»، وكذلك أحرج مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، لأنها تصريحات «لا يمكن التغاضي عنها بالتأكيد». وكان يتمنى ألا يحرج.

المحتجون الإسرائيليون في الشوارع، لا يتحدثون عن خوفهم من إبقاء المستعمرات وزيادة عددها... عن رعبهم من أي فكرة لضم الضفة الغربية، رغم أن الأمر لا يُطرح عن حرجهم من الصورة البشعة لإسرائيل في العالم، عن معرفتهم السابقة أنه لا إمكانية لدولة ديمقراطية مع وجود احتلال يكون عنصرياً، وهمجياً، أو لا يكون، وعن صعوبة إنهائه دون ثمن قد لا يستطيعون دفعه.

ثمة صمت مؤقت، عن مواضيع كثيرة، كيلا تزداد الفرقة بين المتظاهرين أنفسهم. إسرائيل في مأزق تاريخي وجودي، أقامت المستوطنات ومزقت الضفة الغربية حتى بات قيام الدولتين شبه مستحيل. إن هي أبقت على الحال التي هي عليها، فسيزيد عدد المنظمات الدولية التي توجه لها الاتهامات بأنها دولة فصل عنصري، وستضطر أقرب حليفاتها، بما فيها الولايات المتحدة، ولو مرغمة، على إدانة تصرفاتها، وهو ما حصل بالفعل، وقد يحصل بوتيرة أكبر. وإن قامت بعمل مجنون وضمت الضفة، فهي هنا ومن دون أدنى شك، في وضع قانوني لا يمكن إلا أن يطلق عليه صفة «الأبارتيد»، لأن الفصل العنصري يصبح مؤسساتياً ورسمياً كلياً.

رغم كل المقاومة التي يقودها حماة إسرائيل حول العالم، تصرّ «أمنستي» على أن «نظام الفصل العنصري أمر غير مقبول في أي مكان في العالم، فلماذا يقبل العالم ممارسته ضد الفلسطينيين؟».

ومنذ سنوات تصف «هيومن رايتس ووتش» السلطات الإسرائيلية بأنها «ترتكب جرائم ضد الإنسانية تتمثل في الفصل العنصري والاضطهاد» من خلال «القمع الممنهج والأفعال اللاإنسانية».

الجديد، تعالي الأصوات من قلب إسرائيل محذرة، لأن الخطر بات داهماً على الوجود نفسه. مقالة بنيامين بوغروند في «الغارديان»، الصحافي الذي عاش في جوهانسبورغ وانتقل إلى إسرائيل في 1997، جاءت واضحة وتنذر بالأسوأ بالنسبة لمواطنيه. رفض الرجل بقوة المقارنة، ولسنوات طوال، بين ما يحدث في إسرائيل وما عاشه في جنوب أفريقيا. أما الآن، فإن بوغروند، فزع ومتشائم جداً لأنه يرى بأم العين فيلم الرعب نفسه، الذي كان قد شاهده سابقاً بكامل تفاصيله في جنوب أفريقيا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الأبارتايد» مأزق إسرائيل «الأبارتايد» مأزق إسرائيل



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:34 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
المغرب اليوم -

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib