«تيك توك» المدهش

«تيك توك» المدهش

المغرب اليوم -

«تيك توك» المدهش

سوسن الأبطح
بقلم:سوسن الأبطح

أمور عديدة مهمة، يمكنها أن تحول منصة «تيك توك» إلى تهديد لكثيرين، من بينهم السلطات الصينية نفسها، المتهمة بأنها تدير التطبيق وتستغله، وتتجسس من خلاله. فكلما كبر تأثير وسيلة تواصل، زاد خطرها، حتى على صانعيها، ومشغليها ومدبّريها.
ولا ينتهي العام من دون أن تذكّر أميركا بخطر «تيك توك» وضرورة مقاطعته. فبعد أن وصل منعه إلى أجهزة رسمية في 19 ولاية، أعلن مجلس النواب الأميركي، حظر تطبيق «تيك توك» عن جميع الأجهزة التي يستخدمها أعضاؤه وموظفوه. وعلى أي حال، فإن أميركا تتمنى لو تمنع ذبابة مرت فوق الصين أن تغطّ على أراضيها، والحرب لا تزال في أولها.
لكن لماذا هذا الاستشراس على «تيك توك»، وهو لا يزال بعيداً عن أن يبلغ ما وصل إليه «فيسبوك» من شعبية؟ فعدد مستخدمي مختلف شبكات التواصل الاجتماعي حول العالم، وهي في مجملها أميركية، يقدّر بنحو 4.6 مليار خلال عام 2022، أي نحو 60 في المائة من سكان الكوكب. والمتوقع أن يصل الرقم إلى 6 مليارات بحلول عام 2027، أي بعد خمس سنوات من اليوم.
لا يغير من واقع الأمر شيء أن يخسر ملك وسائل التواصل مارك زوكربيرغ مئات مليارات الدولارات، ويسرّح نصف موظفيه. فلا يزال «فيسبوك» أكبر شبكة اجتماعية بأكثر من 2.6 مليار حساب نشط، ومن المتوقع أن ينمو إلى ما يقرب من 3 مليارات بحلول عام واحد. ولشركة «ميتا» التي يملكها زوكربيرغ ما يناهز ملياراً ونصف مليار من المستخدمين على «إنستغرام»، هذا غير ما تجمعه أميركا من بيانات على «تويتر» و«أمازون» و«غوغل». وكل الدلائل تؤشر إلى أن الاختراقات موجودة بقوة، والسلطات السياسية تستفيد من شركاتها التكنولوجية، وتستبيح بياناتها، بالقانون مرة، وبثغرات القوانين مرات كثيرة.
من أسباب النقمة على «تيك توك» الصيني، أنه بات من بين المنصات الأكثر نمواً، إن لم يكن أسرعها على الإطلاق. حسد أم خوف من الاختراق؟ الاثنان معاً. فالتطبيق السحري الذي ينمو بمعدل 70 في المائة في السنة، يتوقع أن يبلغ عدد مستخدميه قريباً ما يقارب المليارين. لكن ليس هذا هو المهم.
ما يعنينا، أن نسبة مستخدمي تطبيق «تيك توك» هم في غالبيتهم الساحقة، أي 80 في المائة منهم، تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً. أي أن «تيك توك» أصبح المكان الذي يصنع فيه المستقبل، فيما انحسر وجود هؤلاء على «فيسبوك» إلى حد مقلق، بحيث ترك لكبار السن، مما جعله أكثر تجهماً.
أمر آخر يصنع الفرق. إن الخوارزميات على المنصة الصينية هذه لها خصائص مختلفة جزئياً عن التطبيقات الأخرى، تتسبب في الانجرار إلى التطبيق بمجرد البدء باستخدامه. فلست بحاجة إلى آلاف الأصدقاء، وشهور من العناء وتسوّل الإضافات كما في «فيسبوك» لتصل إلى عدد كبير من الناس. فقد تُفاجأ بأنك منذ الفيديو الثاني أو الرابع قد حصدت آلاف المشاهدات، ومثلها من اللايكات، والمشاركات، مع أنه لا متابعين لك ولا أصدقاء كثر. عدد الذين يرون مادتك المنشورة له صلة بنوعية الفيديو نفسه وموضوعه، وعدد المهتمين به، وبعلامة التبويب، والهاشتاغات التي استخدمتها، وطبيعة الفيديوهات التي كنت قد شاهدتها بأكملها، واهتممت بها. وربما أن العقل الشرقي في تركيب الخوارزميات، هو الذي صنع ميزة «تيك توك»، واختلافه عن الخوارزميات الغربية.
وقيل في البدء إن الفيديو القصير، له سحر لا يضاهى، وهو الذي جذب مئات الملايين سريعاً إلى «تيك توك»، فإذا بزوكربيرغ يسارع إلى تنشيط الفيديوهات على «إنستغرام» لكسب ود المستخدمين، وهو نجح إلى حد بعيد. لكن يكتشف الآن، أن الفيديو والموسيقى والغناء، ليست العناصر الوحيدة المهمة وإنما الذهنية التي تحرك كل هذا، ومنطق الأشياء، والنظرة التي تحكم الرؤية النهائية للمنصة.
الجحافل الفتيّة التي تزحف باتجاه «تيك توك» تجبر أميركا على شن حملة غير مسبوقة على التطبيق وترميه بمختلف الموبقات. تتهمه بأنه «ينشر العنف»، و«لا يحذف الأخبار الكاذبة»، و«يقدم مقاطع مصورة فيها ممارسات خطرة»، و«ينطوي محتواه على عنصرية»، و«يتتبع المستخدمين الذين يحفظون مواقعهم»، و«يستغل البيانات التي يسجلها رواده»، هذا عدا أنه «مرتهن للدولة الصينية»، و«ملك لدولة معادية».
ليس دفاعاً عن «تيك توك»، لكن لسنا بحاجة لإثبات أن كل التطبيقات، تبيع وتشتري ببياناتنا، وتستخدمها للتلاعب بعقولنا، وأحاسيسنا، وتتجسس حتى على حميمياتنا وأدق معلوماتنا الشخصية. ويتبين أن التطبيقات الاجتماعية لا ترتهن فقط لسلطات رسمية، كل حسب جغرافيته، بل حتى أصغر الموظفين يمكنهم أحياناً، أن يتسببوا لنا في سوء كثير وأذى كبير.
الاعتراضات على «تيك توك» أسبابها ليست واحدة. دول تعتبر أنه أسهم في احتجاجات، وأخرى ترى فيه تأثيراً غير محبوب، ويتسبب «في تدهور ثقافي بين الشباب»، مثل الهند، ثم عادت وقالت إن هذا النوع من التطبيقات «يضر بسيادة ونزاهة الهند، والدفاع عن أمن الدولة والنظام العام»، خاصة بعد أن تبين أن أكثر من 120 مليوناً ينشطون شهرياً على المنصة.
لكن حتى حكومة بكين قلقة من «تيك توك» ومفعوله الجهنمي، وتأثيره على اليافعين. ولا تدّخر جهداً في مراقبة توجهات المحتوى، واتجاهات الناس، وميولهم. وهي توجه على ما يبدو، باتجاه تدجين الخوارزميات، كي تكون أقرب إلى نشر الطاقة الإيجابية، والتقليل من أهمية المظاهر والتشاوف، والحدّ من إبراز البذخ والإسراف.
ومع أن الشركات الأميركية تقول إنها ترفض مثل هذا التدخل من حكوماتها، فإنها معلومات تستدعي التفكّر، وتثير في النفس الرعب ممن يقررون سلفاً، ما يجب أن نحب ونتمنى، أو حتى بما يجب أن نحلم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«تيك توك» المدهش «تيك توك» المدهش



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 10:08 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

3 لاعبين مغاربة في قائمة المرشحين لجوائز الأفضل لعام 2024
المغرب اليوم - 3 لاعبين مغاربة في قائمة المرشحين لجوائز الأفضل لعام 2024

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib