اقرأ وسمّعني

اقرأ وسمّعني

المغرب اليوم -

اقرأ وسمّعني

سوسن الأبطح
بقلم - سوسن الأبطح

المواد المسموعة باتت تشكل إحدى ساحات النزاع الكبرى بين شركات التكنولوجيا، لما تكتنزه من إمكانات ربح مستقبلية. فبعد الموسيقى و«البودكاست»، يطفو الكتاب المسموع على السطح، كمجال واعد بالنمو السريع. وللمرة الأولى حضرت «سبوتيفاي» السويدية، ملكة السمعيات في العالم، في «معرض فرانكفورت للكتاب» بكل قوتها، هذه السنة، بفضل حضور نائب رئيسها للكتب الصوتية نير زيكرمان الذي تحدث عن زيادة قدرها ألفان في المائة، في الاستماع إلى «البودكاست» منذ أطلق قبل 7 سنوات، وتوقعات بأن يكون للكتاب المسموع جمهور مماثل في السنوات المقبلة؛ خصوصاً أن زيادة الإقبال على هذا النوع من المنتجات ينمو بمقدار 20 في المائة سنوياً. ومع 433 مليوناً من مشتركيها «سبوتيفاي» لا تحلم، فالجميع يراهن على تقاعس الشباب عن القراءة، ورغبتهم في المعرفة بوسائل بديلة، ترضي إحساسهم بأنهم يتعاملون مع الكتاب وإنْ بآذانهم.

ومع قليل من الترويج للإصدارات، يمكن الوصول إلى أرباح هائلة، في مجال لا يزال بكراً، بينما تبحث الشركات التكنولوجية عن تعويض لخسائرها القاتلة التي منيت بها في الأشهر الأخيرة.
في فرنسا وحدها زادت نسبة الاستماع إلى الكتب الصوتية 9 في المائة هذه السنة، وقد تم إحصاء ما لا يقل عن 10 ملايين مستمع للكتب. لكن مشكلة بعض دور النشر الرومانسية أنها تنظر إلى المسموع على أنه يكمل الكتاب المطبوع ويرافقه، وليس كمنتج تجاري، يمكنه أن يحيا بمفرده، ويجني طائل الأرباح. وما يشجع الفكرة الأخيرة أن هذه السوق جنت أكثر من 4 مليارات دولار العام الماضي، ويعتقد أنها في غضون السنوات الخمس المقبلة، ستبلغ أرباحها 15 ملياراً، إن لم يكن أكثر.
لكن بالانتظار، فإن الشركات التكنولوجية -بدءاً من «أمازون» التي اعتمدت تطبيق «أوديبل» من سنوات- تحاول جاهدة أن تكون رائدة وسبّاقة في تقديم خدماتها. وسارعت «سبوتيفاي» إلى إطلاق 300 ألف عنوان، آملة ألا تترك مجالاً لشركات أخرى تنتزع منها تخصصها في المسموع. وهو ربما ما يجب أن يدفع بشركة لبنانية المنشأ، متخصصة في السمعيات، صارت لها أسهم في البورصة العالمية، مثل «أنغامي»، لتسد هذه الثغرة باللغة العربية، وتنشط بكل قوتها، بدل أن تبقى مشاركتها مترددة في اقتحام عالم الكتب الصوتية.
لكن القادم من الأيام سيظهر أن عمالقة التكنولوجيا هم على شفا حرب ضروس فيما بينهم لا هوادة فيها. وإن كانت محركات النزاعات خلال الجائحة، هي فائض الأرباح ووفرتها، فقد أصبح الصراع أشرس؛ لأنه يرمي لتعويض الخسائر الخيالية التي تتكبدها هذه الشركة كضريبة للتضخم العالمي، وكجزء من حالة الركود المتوقعة التي لن تبقي ولن تذر.
فقد خسرت الشركات التكنولوجية الكبرى ما يقرب من نصف تريليون دولار من قيمتها، بالمقارنة مع وضعها في بداية جائحة «كورونا»، ودخول البشرية في حجْر جماعي. فقد تعرضت أسهمها لموجة بيع كثيفة، بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، والمخاوف من الخسائر المستقبلية. ويمكن القول إن أسهم هذه الشركات تراجعت مقارنة مع بداية العام بما يقارب 50 في المائة.
وإن كان الجميع قد خسر، فإن زوكربيرغ تُوج على رأس هؤلاء بعد أن تراجعت ثروته من 142 مليار دولار أواخر العام الماضي، إلى ما يقارب 87 ملياراً في ظرف قياسي.
وبالتالي، فإن الهجوم على إنتاج الكتب المسموعة، وعالم «الميتافيرس»، كوسيلة لفتح أبواب رزق جديدة، لن يمر آمناً. من الآن بدأت الخلافات على الحقوق، بين «آبل» من جهة و«ميتا» (فيسبوك) و«سبوتيفاي» من جهة أخرى، بسبب حقوق الكتب الصوتية. وتتهم الشركتان الأخيرتان «آبل» بأنها تخنقهما وتنتزع منهما حقوقهما في الأرباح، من خلال سلطتها على التطبيقين على تليفوناتها. فهي تقتطع 30 في المائة من سعر الكتاب المبيع، بينما تعتبر الشركتان أنها بذلك تصادر حقوقهما في الاستفادة من الإعلانات.
واحتدت المعركة بين «آبل» و«سبوتيفاي» خصوصاً، إلى درجة أن الأولى كانت تحول دون تحديث التطبيق بسبب عدم استيفائه الشروط؛ لكن «سبوتيفاي» التفت على ماركة «التفاحة» وصارت تزود زبائنها بالكتب من خلال إيميلاتهم، لتحرم «آبل» من الإفادة.
ولدخول إيلون ماسك صاحب «تويتر» الجديد، على خط النزاع، ولو بتغريدتين من 3 كلمات، دلالات بالغة، تشير إلى أنه لن يقف متفرجاً في مثل هذه الخلافات. فقد انتصر لـ«سبوتيفاي» وكتب أن: 30 في المائة مبلغ كبير.
من المرجح أن تقوم شركة «ميتا» برفع أسعار الإعلانات خلال الفترة المقبلة، تعويضاً لما ستقتطعه «آبل» من عوائد الإعلانات، في وقت انخفضت فيه عوائد الشركة أساساً منذ مطلع العام الجاري، بسبب التضخم والحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك قرارات «آبل» السابقة بشأن الخصوصية.
وهذا ليس الخلاف الأول؛ فقد اشتكت «ميتا» من أن «آبل»، خربت عليها قدرتها على تقصي عادات زبائنها، ومعرفة أمزجتهم واحتياجاتهم، بتشديدها على الشفافية في موضوع الخصوصية، ومنع التتبع إلا بإذن من صاحب الهاتف.
هذا كله ولا تزال المعارك في أولها، فقلة المال تولّد النكد والمناقرة. وما منازلات الكتب المسموعة إلا بداية المشاحنات بين أغنى رجال العالم، وأكثرهم ثروة وجشعاً في آن. وما اهتمامهم بالكتاب المسموع بكل براءته ورومانسيته ونبله، سوى غيض من فيض خططهم لتعويض مئات المليارات التي بدأت تتساقط من جيوبهم كما أوراق الشجر في فصل الخريف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اقرأ وسمّعني اقرأ وسمّعني



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:34 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
المغرب اليوم -

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib