إسرائيل الثالثة

إسرائيل الثالثة

المغرب اليوم -

إسرائيل الثالثة

عبد الرحمن شلقم
بقلم - عبد الرحمن شلقم

إسرائيل اليوم في عقدها الثامن من العمر. تطورت عبر مراحل ثلاث في عالم تغيرت فيه موازين القوة والتحالفات. العرب أيضاً لحقهم التغيير من الاحتلال إلى الاستقلال. تعالت شعارات الوحدة، وتحرير فلسطين، ورفض وجود دولة إسرائيل. لكن صراع العرب فيما بينهم، بقي على حاله كما كان بين قبائلهم منذ قرون.
كان قيام دولة إسرائيل من أكبر الأحداث في القرن العشرين بعد الحربين العالميتين.
نبثت إسرائيل في حقل تربته التاريخ، وسماده الدين، وبذوره عقول جاءت من شرق أوروبا. اليد التي زرعت البذور فوق التراب بالقوة والسياسة، كان أبرزها ديفيد بن غوريون، صهيوني متطرف قاتل في الحربين العالميتين، وانجذب إلى الفكر الاشتراكي. ديفيد بن غوريون، هو من أعلن قيام دولة إسرائيل وترأس أول حكومة في الكيان اليهودي الجديد.
رحل بن غوريون، لكن فكره ورؤيته للقادم ووصاياه السياسية الاستراتيجية، ما زالت لها قوة الفعل لكل الساسة الإسرائيليين. دخل في تحالف مع فرنسا وبريطانيا في الحرب الثلاثية على مصر بعد تأميم قناة السويس، وأخذ ثمن ذلك وهو القنبلة الذرية، التي أعطته فرنسا سرها التقني.
كانت إسرائيل الأولى التي قادها بن غوريون، مزيجاً من القومية والدين اليهوديين، وكان الهاجس الأول والمؤثر هو القومية اليهودية العلمانية، وإن لم يغب النفس الديني التاريخي.
أقوال بن غوريون ووصاياه، ما زالت تتعالى في خطب القادة الإسرائيليين بمختلف توجهاتهم، ولا تغيب في الملاكمة السياسية داخل الكنيست وخارجه.
قال في خطاب ما سُمي بـ«إعلان الاستقلال»: «لا معنى لإسرائيل دون القدس، ولا معنى للقدس دون الهيكل».
وقال في خطابه بالمؤتمر الصهيوني: «لو كنت زعيماً عربياً، فلن أوقع اتفاقاً مع إسرائيل. لقد أخذنا أرضهم، التي وعدنا الله بها، لكن إلهنا غير إلههم». وأوصى بإدارة الصراع مع العرب، دون التوجه إلى حل شامل.
كانت تلك مرحلة إسرائيل الأولى التأسيسية، التي قادها ديفيد بن غوريون، وانتصر فيها على الجيوش العربية، وانتهت بالهدنة الموقعة في جزيرة رودس اليونانية، وألحقت الضفة الغربية إدارياً بالأردن، وقطاع غزة بمصر.
قبل أن يترك ديفيد بن غوريون قيادة حزب العمال الموحد (المابام) قرَّب إليه عناصر شابة، في مقدمتهم موشي دايان وشمعون بيريز وإسحق رابين وغولدا مائير وشارون. وهم الذين سيقودون إسرائيل الثانية.
بعد العدوان الثلاثي على مصر، وانسحاب القوات الفرنسية والبريطانية والإسرائيلية من الأراضي المصرية، بضغط أميركي وروسي، تغيرت السياسة الخارجية الإسرائيلية، ووطدت علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية، وفعّلت الوجود اليهودي في أميركا.
ساد في المنطقة هدوء عسكري وسياسي، ولم تشهد تصعيداً عسكرياً يذكر بين دولها. اتجهت إسرائيل الثانية، إلى التصنيع الواسع مدنياً وعسكرياً، والتعليم الحديث، وتقنية الزراعة.
بدأ يبرز التيار السياسي الديني، وانتعش حزب «حيروت» بقيادة مناحم بيغن. كانت خمسينات وستينات القرن الماضي، سنوات الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي. اصطفت مصر إلى جانب الشرق، في حين رفعت إسرائيل درجة علاقاتها مع الغرب.
القضية الفلسطينية، لم يكن لها حضور سياسي على موائد التعامل الدولي، إلا من الجانب الإنساني لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين.
شرعت إسرائيل في إعادة إنتاج نفسها. القادمون الجدد الذين في الكيبوتزات، تحولوا إلى قوة منتجة في مختلف المجالات، وصار لهم حضور فاعل في الأحزاب السياسية. ترتب على ذلك تراجع هيمنة اليسار الاشتراكي اللاديني، واتساع التيارات السياسية الدينية.
في تلك الفترة عاش العالم العربي، حقبة التنابز السياسي الدعائي، كل طرف يكيل الصفات الشعاراتية للطرف الآخر. هذا الراديو يصف خصمه بالرجعي، والآخر بالتابع للسوفيات. وتوالت الانقلابات العسكرية في بعض الدول العربية. وتبنت الاشتراكية الارتجالية، واتسع العنف، وهاجرت العقول، وانحدر التعليم، وتآكل الاقتصاد.
غاص من سموا أنفسهم بالقوميين التقدميين، في بحور الأناشيد للأحلام والزعماء، والهتافات المقفاة لتحرير كامل فلسطين من العصابات الصهيونية، التي هي خنجر إمبريالي في الجسد العربي بلغة الإعلام الإيقاعي. لم تمأسس الدولة العربية، وتتخلق الهويات الاقتصادية للدول، وتضبط الاستراتيجيات الداخلية والخارجية.
في يونيو سنة 1967، حدد راديو «صوت العرب» من القاهرة، موعد غداء الجيوش العربية في تل أبيب، وصرخ المذيع الكبير أحمد سعيد في اليوم الثالث للحرب: «لقد سقط جبل المكبر يا أبناء اليهودية». في تلك الساعات كان الجيش الإسرائيلي على ضفة قناة السويس.
عندما قامت مصر بحشد قوتها في سيناء، عمَّ الخوف الإسرائيليين، واعتقد بعضهم بأن الجيوش العربية ستجتاح كل الأراضي الإسرائيلية في ساعات.
بعد النصر غير المتوقع للجيش الإسرائيلي على ثلاثة جيوش عربية، واحتلال كامل فلسطين التاريخية وسيناء والجولان، سادت في إسرائيل قناعة، أن الله هو من حقق ذلك النصر الأسطوري الكبير، وليس الجيش الإسرائيلي بمفرده.
انفتح الباب السياسي للأحزاب الدينية، وأصبح التطرف الصهيوني الديني، ورقة مضافة إلى صناديق الاقتراع.
حزب «العمل» الإسرائيلي الذي حكم الدولة منذ قيامها، بدأ يتراجع، وبرزت الأحزاب اليمينية الدينية الصهيونية.
حزب «الليكود» تشكل سنة 1973 بين تكتلات يمينية صهيونية وحزب «حيروت»، الذي أسسه مناحم بيغن، وطرح آيديولوجية متشددة ترتكز على تكريس دولة إسرائيل الكبرى، ورفض قيام دولة فلسطينية. هيمن المستوطنون على مفاصل الحزب. شكل حكومتي تحالف بقيادة إسحق شامير، وفي سنة 2009 شكل حكومة بقيادة بنيامين نتنياهو.
عاشت إسرائيل على مدى سنوات وجودها، تفاعلات سياسية تتحرك بقوة. غابت قوى سياسية وبرزت أخرى. لكن بقي الحبل الآيديولوجي الديني الصهيوني يربط كل تلك القوى رغم الخلافات السياسية الشديدة. التزمت كل قوى الطيف السياسي بوصايا ديفيد بن غوريون، وأفكار جيبوتنسكي الصهيوني العنيف العنصري. واصلت تقدمها العلمي والصناعي المدني والعسكري، وحققت اختراقات كبيرة في الجدار العربي والفلسطيني بعد اتفاقات أوسلو.
الآن لم يعد بين الأنظمة العربية، وحتى في المزاج الشعبي العربي، من يقول بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، ويرفض وجود إسرائيل.
إسرائيل الثالثة هي التكوين الذي حقق سطوته الإقليمية ودوره الدولي، وأعلن هويته اليمينية الصهيونية، ورفضه للهوية الفلسطينية، وتكريس منهج الأبارتهايد العنصري.
هل تحقق إسرائيل الرابعة، وصية ديفيد بن غوريون: «لا إسرائيل دون القدس، ولا قدس دون الهيكل»؟.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسرائيل الثالثة إسرائيل الثالثة



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:50 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود
المغرب اليوم - ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين

GMT 08:25 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نتائج القسم الثاني لكرة القدم بالمغرب

GMT 07:21 2023 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

أبرز النجمات اللواتي ارتدين البدلة الرسمية هذا العام
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib