«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين

المغرب اليوم -

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين

مشعل السديري
بقلم : مشعل السديري

ينسب لوزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر عندما سئل ذات يوم؛ كيف يمكن لك أن تصف حياتك، فأجاب بقوله: «إنها بمثابة عطلة طويلة». يحتفل ثعلب الدبلوماسية الأميركية العجوز هنري كيسنجر ببلوغه المائة عام بعد عمر طويل قضاه في مشاهدة أحداث تاريخية وصناعة البعض المثير للجدل منها. وانقسم الساسة والإعلام في تقييم هذه الشخصية المؤثرة والمركبة فمنهم من أقسم بأنه السياسي الأهم والأكثر تأثيراً في النصف الثاني من القرن العشرين، ومنهم من يعتبره مجرم حرب تقتضي محاكمته والزج به خلف القضبان فوراً.

وبالرغم من محدودية الفترة التي خدم فيها الرجل بصفة رسمية في الولايات المتحدة؛ بداية كمستشار في مجلس الأمن القومي منذ عام 1969 في حقبة الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، وبعد ذلك كوزير لخارجيته، ومن ثم لخلفه الرئيس جيرالد فورد حتى عام 1976، فإنه كان من أكبر المؤثرين وصانعي السياسات الخارجية الأميركية.

فيحسب له أنه صاحب النظرة الفاحصة الدقيقة التي تمكنت من «اختيار» الزعيم الصيني دينغ زياو بينغ، وهو الذي كان يحتل المركز الثالث في الترتيب بين قادة الصين وقتها بعد كل من ماو تسي تونغ وتشوان لاي. رأى كيسنجر في دينغ الشخصية الهادئة والطامحة في آن، وأدرك أنه أمام نمط مختلف من قادة الصين، ومن الممكن إنجاز مسار جديد معه يغير التاريخ، وكانت هذه أولى خطوات إخراج الصين من المدار السوفياتي وإدخالها في عالم السوق والرأسمالية. وهي نفس المنهجية التي اتبعها كيسنجر لاحقاً مع الرئيس المصري الأسبق أنور السادات وساعدت في إخراج مصر من الحقبة السوفياتية تماماً.

وهناك فريق يمجد إنجازات هنري كيسنجر بشكل مبالغ فيه مكنه من أن يحتل مكانة مميزة وفريدة من نوعها في العالم السياسي بعد خروجه من منصبه الرسمي وانطلاق عمله الاستشاري، فبات يقدم المشورة لحكام البيت الأبيض وكبرى الشركات متعددة الجنسيات وحافظ على علاقات مميزة مع زعماء أوروبا وروسيا والصين، وأصبح أحد أغلى المحاضرين في العالم.

من أهم عشاق كيسنجر، الذي كال المديح له في كتابه الأخير، الدبلوماسي الأميركي مارتن إنديك الذي قال عنه في كتابه بعنوان «المتحكم في اللعبة»: «كيسنجر هو المعلم الأهم في تاريخ صناعة السلام أو عدم صناعته»، ولم تكن شهادة إنديك الوحيدة من نوعها بحق كيسنجر، الذي حاز جائزة نوبل للسلام عام 1973، ولكن شاركه في ذلك الصحافي الأميركي المخضرم والتر إيزاكسون، وهو المتخصص في كتابات السير الذاتية، وقال عن الرجل في كتابه المعنون بكيسنجر: «العالم كان سيفقد الكثير ولن يكون كما أصبح من دون هنري كيسنجر».

وفي المقابل، هناك من يرى هنري كيسنجر شرّاً بحتاً ومجرم حرب بامتياز يستحق أقصى العقوبة ويحمله مظالم ومجازر ودماء آلاف الأبرياء في تشيلي وكمبوديا ولاوس وفيتنام.

وقد قدم وجهة النظر هذه بشكل حماسي ومقنع الكاتب الأميركي كريستوفر هيتشنز في كتابه المهم «محاكمة هنري كيسنجر»، الذي قال إن حجم الجرائم التي نفذ من تحمل عقوبتها هنري كيسنجر لا يليق بأي ديمقراطية غربية، وطرح هيتشنز يذكرنا بما سبق أن قاله الصحافي الأميركي الشهير سيمون هيرش في كتابه الأكثر مبيعاً بعنوان «ثمن القوة... كيسنجر في البيت الأبيض»، يحكي فيه عن استغلال كيسنجر لضعف نيكسون وخوف فورد من بعده لتمرير سياسات وقرارات خطيرة ومثيرة للجدل.

وظف هنري كيسنجر قدراته ونفسه جيداً وأبقى نفسه في دائرة الضوء عبر حراك محسوب جداً ضمن دوائر مراكز صناعة القرار وعبر إصدارات من الكتب المتمثلة في تجربته الحياتية والمهنية وأخرى خاصة بمرئياته السياسية، وارتاح الرجل لفكرة أن تتم الإشارة إليه بحكيم الدبلوماسية الدولية، إلا أن ذلك لم يساعد في دفن أشباح الماضي السياسي المريب التي ظلت تلاحقه في كل مكان، وترجح أنه نفذ من عقاب مفروض على جرائم عظيمة.

ولعل هذا ما يفسر مقولة هنري كيسنجر في وصف حياته التي قال عنها إنها أشبه بعطلة طويلة، ولكني أجد نفسي حائراً في استحضار مقولات من الأدب العالمي لأختم بها هذه الكلمات، فهل أجد ضالتي عند همنغواي ورائعته «العجوز والبحر»، أم عند دوستوفيسكي وتحفته «الجريمة والعقاب»، أم عند ماركيز وإبداعه في «الجنرال في متاهته»؟ فاخترت أن أبقي الخاتمة محيرة تماماً مثل حياة هنري كيسنجر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين «وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 16:17 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"القوس" في كانون الأول 2019

GMT 21:52 2019 السبت ,03 آب / أغسطس

"الفيل الأزرق 2" يعيد قوة موسم الصيف

GMT 16:19 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 14:20 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

طارق مصطفى يساند المنتخب أمام ساحل العاج

GMT 00:51 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

إسعاد يونس تعدّد صفات شريف مدكور برسالة دعم

GMT 09:39 2019 السبت ,06 إبريل / نيسان

أفضل الطرق لتسريحات الشعر الكيرلي في المنزل

GMT 05:32 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

قطر تُقرر مقاطعة نجوم " روتانا " بسبب الأزمة الخليجية

GMT 03:41 2015 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ستيفن كاري يشيد بجهود ليونيل ميسي مع "برشلونة" في الدوري

GMT 01:31 2018 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

أحمد صلاح حسني يشيد بشخصيته في مسلسل "أبواب الشك"

GMT 18:51 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الديكورات الفرنسية الكلاسيكية لمنزل أكثر أناقة

GMT 14:23 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلان الإيطالي يبدأ التفاوض مع لاعب تشيلسي فابريغاس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib