بقلم : مشعل السديري
فقد سأل معاوية يوماً (عمرو بن العاص): ما بلغ من عقلك؟! قال: إني لا أدخل في أمر إلّا وعرفت كيف أخرج منه، فرد عليه معاوية: أمّا أنا فلا أدخل في أمر أريد الخروج منه!
دخل أعرابي على معاوية، بعد أن استأذن حاجبه، قائلاً: إنه أخوه ابن أمه وأبيه، فسأله معاوية: أتقول إنك أخي؟! أجابه: نعم أنا أخوك ابن أمك حواء وأبيك آدم، فصاح معاوية: يا غلام أعطه درهماً، فاحتج الأعرابي قائلاً: درهم؟! أتعطي لأخيك ابن أمك وأبيك درهماً واحداً؟! فرد عليه: يا أخي لو أنني أعطيت كل ما في بيت مال المسلمين لإخواننا من آدم وحواء، لما وصل إليك هذا الدرهم.
كان معاوية يعيب على (عبد الله بن جعفر) سماع الغناء، فأقبل معاوية عاماً من ذلك حاجاً، فنزل المدينة، فمرّ ليلة بدار عبد الله، فسمع عنده غناء على أوتار، فوقف ساعة يستمع، ثم مضى وهو يقول: أستغفر الله! أستغفر الله! فلما انصرف من آخر الليل مرّ بداره أيضاً، فإذا عبد الله قائم يصلي، فوقف ليسمع قراءته، فقال: الحمد لله، ثم مضى وهو يقول: (خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم)، فلما بلغ ابن جعفر ذلك، أعد له طعاماً ودعاه إلى منزله وأحضر ابن صياد المغني، ثم تقدم إليه يقول: إذا رأيت معاوية واضعاً يده في الطعام فحرِّك أوتارك وغنِّ، فلما وضع معاوية يده في الطعام، حرّك ابن صياد أوتاره وغنى من شعر (عَدي بن زيد):
يا لُبيْنى أوقدي النارا / إنَّ من تهويْن قد حارا
رُبّ نارٍ كنتُ أرقبُها / تقسم الهنديَّ والغارا
ولها ظبيٌ يؤججُها / عاقداً في الخَصرِ زنّارا
قال: فأعجب معاوية غناؤه حتى قبض يده عن الطعام وجعل يضرب برجله الأرض طرباً، فقال له عبد الله: يا أمير المؤمنين، إنما هو مختار الشعر يركب عليه مختار الألحان، فهل ترى به بأساً؟ قال: لا بأس بحكمة الشعر مع حكمة الألحان.