الجهة السابعة في مخيم جنين
عاصفة شتوية قوية تضرب شمال أميركا وتتسبب في انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر في الجنوب الكشف عن خطة إسرائيلية أعدتها جمعيات استيطانية لإنشاء مدن جديدة وتوسيع مستوطنات في الضفة الغربية خلال فترة ولاية ترامب قمة دول الخليج العربي تُطالب بوقف جرائم القتل والعقاب الجماعي للمدنيين في غزة ورعاية مفاوضات جادة لوقف الحرب جماعة الحوثي تنفذ عملية ضد هدف حيوي في منطقة يافا بفلسطين المحتلة بصاروخ باليستي فرط صوتي الجيش الروسي يُحرر بلدتي بيتروفكا وإيليينكا في جمهورية دونيتسك الشعبية استشهاد 4 فلسطينيين بينهم طفل في قصف طيران الاحتلال الإسرائيلي لمجموعة من المواطنين في خان يونس بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت اتحاد طنجة لكرة القدم الشاطئية يتأهل إلى مرحلة البلاي أوف من البطولة الوطنية الرجاء الرياضي ينعي وفاة مشجعين للفريق في حادث سير بعد مباراة الجيش الملكي في دوري أبطال إفريقيا موريتانيا تفرض غرامة ثقيلة على فرع "اتصالات المغرب" بسبب جودة الخدمات
أخر الأخبار

الجهة السابعة في مخيم جنين

المغرب اليوم -

الجهة السابعة في مخيم جنين

عيسى قراقع
بقلم : عيسى قراقع

قرأت رواية الجهة السابعة للأسير المحكوم بتسع مؤبدات كميل أبو حنيش، في الوقت الذي أتابع الاقتحام الصهيوني الهمجي لمخيم جنين والذي بدأ فجر 3/7/2023، وارى الدماء والشهداء والتشريد والدمار والموت الذي يملأ الأرصفة، وجدت في نص الرواية نبوءة وعين ثالثة هي عين المعجزة، وإلا كيف تصمد جنين أمام جنون القصف الصهيوني لولا جهتها السابعة، جنين أكثر من جسد وأكثر من مخيم وأكثر من ظل، وهي تتجدد وتتوالد وتبقى في وجه العاصفة ثابتة وواقفة، الشهداء يخرجون من قلب المقبرة، يموتون مرة أخرى ويعودون ثم يموتون ولكنهم لا ينقصون، يزرعون عظامهم في المداخل عبوات ناسفة.

في جنين لا يحدث الموت مرة واحدة، الموت الكثير هو الحياة الكثيرة، وهي حيرة المستعمرين الذين عجزوا عن احتلال جنين عبر مراحل عديدة من الحروب والغزوات والاقتحامات، ليس لأنها تمتلك صواريخاً ودبابات وطائرات وأساطيل بحرية، هناك في المخيم جهة سابعة غير مرئية، مفتاح بيت قديم وبوابات واسعة.

الناس في جنين تقاتل بإمكانيات بسيطة، لكن أحلامهم ثقيلة، لا تتشظى تحت وابل القنابل والإرهاب المنظم، لا تنصهر في المجازر والنيران كما يظن قادة تل أبيب، جنين قلب دولة لا ينطفىء، ومدينة تسكنها ألف مدينة.

يكتب الأسير كميل أبو حنيش عن البعد السابع في الإنسان الثائر، حيث ينطلق الزمن في خطه الممتد إلى الأمام ليتغلب على رباعية الأبعاد في السجن، ويدمر هندسته المعمارية والإدراكية، فيرتفع بزمنه إلى جماله الإنساني والحضاري، أحاسيس هائلة لا تكبل بالسلاسل، عواطف تتجاوز الأوقات كلها، فائضة عن الكم المحدود، كأنه يبني جنته الموعودة كحديقة معلقة بين النجوم، يحفر بالخيال، ثم يبني بالخيال، لا يعترف بالنظريات الفيزيائية، يجعل من الكون فضاءه الشعاعي سابحاً في أرجائه دون حد، يعزف على أوتار الحياة القادمة.

في جنين يتجسد الوحش الصهيوني، لتدخل المدينة إلى جهتها السابعة، البديل الآخر من أجل البقاء والصمود، هكذا فعلت الانتفاضة الأولى عام 1987، صنعت جهتها السابعة بابتكار الحجر والمقلاع سلاحاً للمقاومة بعد أن حوصرت منظمة التحرير الفلسطينية وتكالبت مؤامرات شطب القرار الفلسطيني المستقل والمشاريع الغامضة، وهكذا انطلقت الانتفاضة الثانية عام 2000 من جهتها السابعة، بعد أن فشلت المفاوضات ووصلت إلى طريق لا يقود إلا إلى مستوطنة أو إلى سجن وموت ورضوخ واستسلام، وهكذا تمرد الأسرى على مؤبداتهم وسياسة الإذلال بالدخول إلى بوابة الجهة السابعة بالإضرابات والمواجهات فأسسوا سلطة ثورية مضادة لسلطة السجان.

هناك دائماً خيار أمام الإنسان يقول كميل أبو حنيش، فالشهقة تصير صرخة، وليس كتماً للأنفاس، و قطرة الماء تصير نهراً ولا تجف في اليباس، وإذا تجرد الإنسان من سلاحه فليحمل أحلامه وذكرياته وثقافته وعقله عتاداً ويبقى في ساحة القتال، فالحقيقة ليست مادية، الحقيقة هي كل هذه الكينونة الكامنة في النفس البشرية، مما يجعل الواقع المستحيل ليس مستحيلاً، إنها التجسيد الواقعي لنزيف المخيلة.

عندما تغلق من حولك كل الأبعاد، لا السياسي يملك مفتاحاً لكسر الدائرة، ولا المجتمع الدولي قادر أن يحرك القانون الدولي ويخرجك إلى فضاء العدالة والحقوق الشرعية، وتصير حياتك حينها تشبه الذوبان والتلاشي في العتمة، أو أشلاء في انفجار قنبلة، تدعس أحلامك جنازير الدبابات، حياتك كلها جنازات ونكبات، لا بد من جهة سابعة خارج المتعارف عليه من الجهات الست، خارج اللغة المألوفة في هذا الصراع الدامي، وأظن أن مخيم جنين الوحيد الذي خرج من جهته السابعة وقلب الطاولة.

الأسير كميل أبو حنيش المحشور في الزوايا المتعاكسة، لا يخشى السجن والجدران، وإنما يخشى سيف الزمن الذي يطحنه في ذاته ويحدد له حركته وإيماءاته ومشاعره ومستوى يقظته وحدود أفكاره، وهنا يكمن جوهر الصراع بين زمنين أحدهما يودي إلى قبر الجسد والعقل والثاني إلى الانعتاق والطيران إلى المستقبل، فلنخترع الجهة السابعة والزمن السابع ما بعد الحياة وما بعد الموت، ونتجاوز الأسلاك المغروزة كأمر واقع تفرضه شروط القوة والدوران في الفراغ اللولبي، وما علينا سوى أن نطلق الحب من دواخلنا إلى خارجنا، فالقلب لا يقيده شيء، ولننقذ ذواتنا من التشظي والتوهان، لنكون واحداً لا اثنين، علماً واحداً لا عشرة أعلام، وطناً واحداً لا تمزقه المصالح والكانتونات، حينها لن يصل الغزاة المتوحشون إلى مخيم جنين وإلى قريتي حوارة وترمسعيا، يشعلون الحرائق ويرتكبون المذابح وينشرون الخراب.

الجهة السابعة لا تطلب منك أن تكتفي بالشجب والاستنكار والاستغاثة والولولة وابتكار المفردات المفخمة تعويضاً عن التقاعس وشفاء للفقدان، الجهة السابعة هي رواية جديدة، محرك وثورة، التقدم إلى الأمام، توظيف الطاقات الحيوية كلها في المعركة، الإبداع في الموت أكثر من الإبداع في الحياة، المقاومة عقيدة ورؤيا وأفعال لا تحتاج إلى أوسمة، المقاومة تعني أن تتحرر من هاجس الموت والخوف، أن تستعصي على الشطب والإبادة، أن لا تكون قابلاً للابتلاع كياناً وهوية وثقافة، المقاومة تعني كسر النص واجتراح الكتابة والصوت والرعد والسحابة، المقاومة أن تكون داخل مخيم جنين الآن وغداً وحتى يوم القيامة، المقاومة أن تعيش في السجن عشرون عاماً، أو خمسون عاماً ولا زلت تقاوم القهر والظلم بسلاح لا يفهمه السجانون وهو الإرادة.

لنذهب إلى الجهة السابعة، ما دام هذا الحصار يشتد ويخنقنا في تجمعات ومعازل وبين حواجز الموت الكثيرة، استباحة بيوتنا ودمنا يومياً، مجزرة تتلوها مجزرة، ولنتعلم من كميل أبو حنيش ووليد دقة كيف يواجهان بأحلامهم وذكرياتهم وخيالهم الحديد والإسمنت، ويخترقون الأبواب الموصدة، يعيدون تركيب الواقع وزراعة الشجر، الماضي يصنع خميرة الحاضر، والحاضر هو جنين والقدسونابلس، رواية تطل من الجهة السابعة كالصلاة أو المظاهرة إلى الحياة الحافلة.

ما أقوى الذاكرة عندما تحيي الشخوص والشهداء والأمكنة، تستدعي الأم والحبيبة والأصدقاء والشهداء، تواصل مشوار الكتابة وأطلاق النار صوتاً وصورة وأغنية، وما أجمل النوم في الحلم، عندما يأخذك إلى البيت حراً وسيداً على فصولك كلها وجهاتك المتعددة.

يقول كميل أبو حنيش: “يغدو الموت في الجهة السابعة مسألة عادية تماماً، بوابة تشبه بوابة الحب والحلم الإنساني، ففي تلك الجهة تتنازعني ثلاثية الحب والحلم والموت، ثلاثية الكينونة الإنسانية وهي تواصل رحلتها في البحث عن معنى الحياة”.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجهة السابعة في مخيم جنين الجهة السابعة في مخيم جنين



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 06:38 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة
المغرب اليوم - السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين

GMT 08:25 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نتائج القسم الثاني لكرة القدم بالمغرب

GMT 07:21 2023 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

أبرز النجمات اللواتي ارتدين البدلة الرسمية هذا العام
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib