“الجِهادان” الزراعي والصناعي اللّذان أعلنهُما السيّد نصر الله هُما الطريق الأقصر للكرامة وخُروج لبنان من أزَماتِه

“الجِهادان” الزراعي والصناعي اللّذان أعلنهُما السيّد نصر الله هُما الطريق الأقصر للكرامة وخُروج لبنان من أزَماتِه

المغرب اليوم -

“الجِهادان” الزراعي والصناعي اللّذان أعلنهُما السيّد نصر الله هُما الطريق الأقصر للكرامة وخُروج لبنان من أزَماتِه

بقلم - عبد الباري عطوان

تذكّرت والدتي، رحمها الله، أثناء استِماعي إلى خِطاب السيّد حسن نصر الله الذي ألقاهُ مساء الثلاثاء وتحدّث فيه عن ضرورة إعلان “الجِهادين” الزراعي والصناعي في كُلّ بُقعةٍ في لبنان لتحقيق الاكتِفاء الذاتي في مُواجهة الحِصار الأمريكيّ الجائِر الهادف إلى تجويع لبنان وتركيعه وإذلاله.

فالوالدة “الأمّيّة” التي كانت تُعيل عشرة أطفال، علاوةً على جدّي وجدّتي، ووالدي المريض، وحُفنة من العمّات، كانت تُربّي الحمام والدجاج ومعزتين، و”تجرش” القمح والشعير، وتَعُد الخبز في طابون طيني يعتمد على الحطب كوقود، ممّا جعلنا، نحن اللّاجئين نُقاوم الجُوع، ونسير مرفوعي الرّأس، ونُحقِّق إلى جانب معونات وكالة الغوث، الحدّ الأدنى من الاكتِفاء الذّاتي مِن الطعام والبروتين، خاصّةً، ما تيسّر من البيض ولُحوم الدجاج، وحليب الماعِز.

الحاجة هِي أُمّ الاختراع، وضربي مثلًا بالوالدة لا يعني أنني أُطالب اللبنانيين الذين يعيشون في أبراجٍ إسمنتيّةٍ، ولم يتعوّدوا على شظَف العيش أن يقتَدوا بها، ويربّون الحمام والدجاج في شُققهم الفاخِرة، ولكنّ مُحاولة التكيّف، بكُل الطّرق والوسائل مع هذه الأزمة، حتّى لو تم اللّجوء إلى التقشّف، كوسيلة لمُواجهة الضّغوط الأمريكيّة والإسرائيليّة، وتحويل لبنان إلى بلدٍ مُنتجٍ، بعد أن ظلّ مُستَهلِكًا لعُقود، يعيش على المُساعدات الخارجيّة المُرتبطة بشُروط الإذلال والتبعيّة.
***

عِشت العامين الأخيرين مِن حُكم الرئيس جمال عبد الناصر في مِصر أثناء فترة دراستي الجامعيّة، وكانت مِصر كلّها تأكل ممّا تزرع، وتلبس ممّا تصنع، وتُصنّع جميع مُتطلّباتها المعيشيّة الضروريّة ابتداءً من شفرات الحِلاقة ومعجون الأسنان حتّى السيّارات والحافلات العامّة، وأذكر أنّ الرئيس عبد الناصر كان يتباهى بارتِداء البدلات والقُمصان والأحذية المُصنّعة في مِصر، وكان في قمّة الأناقة، وأذكر أيضًا أنّ الملابس المُصنّعة في الخارج لم تَكُن تُباع إلا في أحد الشّوارع الجانبيّة لا يزيد طُوله عن 50 مترًا (شارع الشواربي) ومُعظمها مُهرّبة عبر تجّار الشنطة مثلما كان يُطلق عليهم في ذلك الوقت النّاشطين على خطّ بيروت القاهرة.

عندما تبحث الشعوب عن الكرامة، والسيادة الوطنيّة، وتُريد أن تسير مرفوعةَ الرأس، فإنّها حتمًا تَجِد الطريق إليها، والشّي نفسه يُقال أيضًا إذا أرادت السير على الطريق الآخر، طريق الاستَسلام والخُنوع والتسوّل.
العودة إلى الزراعة والصناعة لا تُعيب الشعب اللبناني، كما أنّ توجّه حُكومته إلى الشرق، أي الصين وماليزيا وروسيا والعِراق وسورية وإيران، لا يُعيبها أيضًا، في ظِل الغطرسة والفُجور والإملاءات الأمريكيّة، وتجاوزات السفيرة الأمريكيّة الوقِحَة التي ما كان لها أن تبقى في لبنان ساعةً واحدةً بعد تطاولها على المُقاومة وسِلاحها وقِيادتها.
ربّما أرادَ السيّد نصر الله مُجاملة أو تحييد بعض القِيادات الحزبيّة اللبنانيّة التي تُؤلِّه الغرب، وتُريد إبقاء لبنان زائدةً دوديّةً مُلتصقةً بجسمه الاقتصاديّ والسياسيّ، عندما قال إنّه لا يعني التوجّه إلى الشرق إدارة الظهر كُلِّيًّا إلى الغرب، وأمريكا وأوروبا تحديدًا، فربّما قصَد سدّ الطريق والأبواب والنوافذ وقطع ألسِنَة هؤلاء، وما أطوَلها هذه الأيّام.
الصين التي رحّبت بالتعاون مع لبنان والانخِراط في مشاريع تنمية مجانيّة من بينها محطّات كهرباء وقطارات سريعة، تُخرجه من أزمته الاقتصاديّة، ليست دولةً من دول العالم الثالث، وتملك مشروعًا اقتصاديًّا وسياسيًّا جعلها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتُشَكِّل قلقًا وجوديًّا للولايات المتحدة التي ستَفقِد عرشها في قمّة سقف العالم في أقل من عشر سنوات بسبب الصّعود المُتسارع بهذا التنّين الصيني العظيم.
نعم.. يجب أن نُدير ظهرنا كعرب ومُسلمين، وليس كلبنانيين فقط إلى الغرب، الذي دمّر العِراق وسورية وليبيا، ويدعم الاحتلال الإسرائيلي، ويَشُن الحُروب والعُدوانات المُتكرّرة على لبنان، وقتل الملايين من العرب والمُسلمين، ويُحاصِر نِصف شُعوبهم وخاصّةً في أفغانستان وإيران، وأين يَكمُن الخطأ في ذلك؟
لا نُجادل مُطلقًا في اعتِناق الصين الأيديولوجيّة الشيوعيّة كعقيدة، ولكن اقتِصادها ليس شُيوعيًّا، ومُنفتحًا على العالم بأسرِه، وطريق الحرير هو أحدث الأمثلة، وننتظر اليوم الذي تُحرّر العالم من “الفيسبوك” والتويتر”، والهواتف والحواسيب الذكيّة، والدولار ونِظامه المالي، وكُل وسائل وأدوات الهيمنة الأمريكيّة الأُخرى على العالم.
***
نشعر بالأسى ونحن نسمع أصواتًا في لبنان تُريد إغلاق الحُدود بشَكلٍ دائمٍ مع سورية، ونرى مسؤولين يعتبرون زيارة دمشق إثمًا وخطيئةً كُبرى، ويتعفّفون عن قُبول مشتقّات النفط الإيرانيّة حتى لو توقّفت جميع محطّات الكهرباء في بلادهم، فمن أيّ طينة جينات هؤلاء؟ ولماذا هذه النّظرة العُنصريّة الفوقيّة المُتعالية على الآخرين، وما هي القيم والرّكائز التي تستند إليها؟
ما جاء في خِطاب السيّد نصر الله هو صرخةُ حق شُجاعة، وطرحًا لأفكار تُقدّم الحُلول والخِيارات الصّحيحة للخُروج من الأزمات، ليس للبنان فقط وإنّما للأمّتين العربيّة والإسلاميّة، ونتمنّى عليه في المُستقبل أن لا يُعير رِجالات أمريكا، وانتِقاداتهم أيّ اهتمام، فهؤلاء مِثل الزبد الذي يذهب جفاء مع احترامي لكُل الاعتِبارات التي تدفعه إلى ذلك، فالمعركة المُقبلة كبيرة وشَرِسَة ومصيريّة، وتُحَتِّم تجاهُل هؤلاء.. أو هكذا نعتقد.
 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

“الجِهادان” الزراعي والصناعي اللّذان أعلنهُما السيّد نصر الله هُما الطريق الأقصر للكرامة وخُروج لبنان من أزَماتِه “الجِهادان” الزراعي والصناعي اللّذان أعلنهُما السيّد نصر الله هُما الطريق الأقصر للكرامة وخُروج لبنان من أزَماتِه



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib