ماذا يَقصِد وزير الماليّة السعودي عِندما يُحذِّر من إجراءاتٍ صارمةٍ ومُؤلمة

ماذا يَقصِد وزير الماليّة السعودي عِندما يُحذِّر من إجراءاتٍ صارمةٍ ومُؤلمة

المغرب اليوم -

ماذا يَقصِد وزير الماليّة السعودي عِندما يُحذِّر من إجراءاتٍ صارمةٍ ومُؤلمة

بقلم -عبد الباري عطوان

مِن النّادر أن يتحلّى مسؤولٌ سعوديٌّ كبير الشفافيّة المُطلقة، ويُصارح شعبه بالحقائق كاملةً دون أيّ “لوي” لعُنق الأرقام والمعلومات مِثلما فعل مساء أمس السيّد محمد الجدعان، وزير الماليّة، في مُقابلته مع قناة “العربيّة” حول الأوضاع الماليّة والاقتصاديّة في البِلاد.

السيّد الجدعان كان صريحًا وصادمًا في الوقتِ نفسه عندما قال “سنتّخذ إجراءات “صارمةً” و”مُؤلمةً” للتّعامل مع آثار فيروس كورونا وأنّه لا بُدَّ من تخفيضٍ كبيرٍ في مصروفات الميزانيّة، وإبطاء تنفيذ بعض المشروعات الحكوميّة ومنها مشروعات ضخمة لتَقليل الإنفاق”، وكشف للمرّة الأولى عن وجود قرار “باقتِراض 60 مليار دولار وسحب 32 مِليارًا أُخرى لسَد العجز في الميزانيّة الحاليّة الذي سيَصِل إلى 112 مِليار دولار”.

وزير الماليّة السعودي لم يَقُل ما هي الإجراءات الصّارمة والمُؤلمة التي ستُقدِم عليها حُكومته لمُواجهة هذه الأزمة الماليّة الأخطر في تاريخ المملكة مُنذ تأسيسها قبل حواليّ 80 عامًا، ولكن من المُتوقّع أن تُنهِي “الدولة الريعيّة”، وأن يكون المُواطن السعودي هو الضحيّة الأكبر لها، سواءً بشكلٍ مُباشرٍ أو غير مُباشر.
***
نشرح أكثر ونقول إنّ الحُكومة السعوديّة عندما تتحدّث على لِسان وزير ماليّتها أنّها ستُخفِّض الإنفاق، وتوقّف بعض المشاريع الكُبرى، فهذا يعني عمليًّا حالة انكِماشٍ في العجلة الاقتصاديّة، وارتفاع مُعدّلات البِطالة، وربّما تخفيض الرّواتب، ورفع أسعار الخدَمات العامّة والسّلع الأساسيّة مِثل الماء والكهرباء والصحّة، وربّما التعليم أيضًا، وفرض ضرائب على الدّخل، وزيادة ضريبة القيمة المُضافة ورفع الرّسوم لزيادة مداخيل الدّولة وتقليص العجز في الميزانيّة.

الأزَمة التي تُواجهها مُعظم دول الخليج والمملكة على وجه الخُصوص، أنّ الإيرادات النفطيّة انخفضت إلى أقل من النّصف، وتراجع الإيرادات غير النفطيّة بالقدر نفسه بسبب سياسات “الإغلاق” لتَجنُّب انتِشار فيروس الكورونا، ولهذا انخَفضت أسعار الأسهم السعوديّة إلى أكثر من 6.8 بالمِئة اليوم، وخفّضت مؤسّسة “موديز” الاقتصاديّة العالميّة النّظرة المُستقبليّة إلى السعوديّة من “مُستقرٍّ” إلى “سلبيّةٍ”.
زمن الرّخاء الاقتصاديّ، والإنفاق الباذخ، وتخصيص مِئات المِليارات لشِراء صفقات الأسلحة، والتورّط في تمويل حُروب في اليمن وسورية وليبيا، هذا الزّمن ينقرض إلى غير رجعةٍ، الأمر الذي سيَنعكِس سلبًا على مكانة المملكة “القياديّة” السياسيّة والاقتصاديّة في العالمين العربيّ والإسلاميّ.
أخطر تهديدين يُواجِهان المملكة حاليًّا هُما احتِمال الإفلاس والتحوّل من دولةٍ دائنةٍ إلى دولةٍ مَدينةٍ مع تآكُل احتِياطاتها الماليّة وتراجع أسعار النّفط بشَكلٍ مُتسارعٍ، والثّاني انهِيار علاقاتها مع حليفها الأكبر الولايات المتحدة الأمريكيّة.
القِيادة السعوديّة أخطأت مرّتين في تقديراتها للوضع النفطيّ العالميّ، الأولى عندما أغرقت أسواق العالم بكميّات نفط زائدة بتحريضٍ أمريكيّ عام 2014 لإلحاق الضّرر بالاقتِصادين الروسيّ والإيرانيّ، الأمر الذي أدّى إلى انخفاضِ سِعر البرميل من 110 دولارات إلى أقل مِن ثلاثين دولارًا قبل أن يتعافى قليلًا، والمرّة الثّانية الدّخول في حربٍ نفطيّةٍ لجدع أنف روسيا والرئيس فلاديمير بوتين، الذي رفض طلبها تخفيض الإنتاج، وإغراق الأسواق بالنّفط، وبيعه بأسعار مُتدنّية الأمر الذي أدّى إلى انهيارٍ كاملٍ في الأسعار ووصولها إلى ما تحت الصّفر أواخِر الشّهر الماضي.

ما لم تُدركه هذه القِيادة أنّها بانخِفاض أسعار النّفط إلى معدّلات لم تَصِل إليها مُنذ عشرين عامًا أو أكثر تَفقِد أهم أسلحتها أيّ العوائد الماليّة، فالعالم العربيّ ينظر إليها كبقرةٍ حلوب، وتسعى دائمًا لكسب ودّها، والتّغطية على حُروبها وانتِهاكاتها لحُقوق الإنسان طمعًا في عُقود الأسلحة، وليس حُبًّا فيها وتقديرًا لمكانتها الإسلاميّة والإقليميّة.

فالرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب وصل إلى درجةٍ من الوقاحة بتسريب مضمون مُكالمة هاتفيّة أجراها مع الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد السعوديّ والحاكم الفِعلي للمملكة، هدّده فيها بأنّه سيسحب كُل القوّات الأمريكيّة من القواعد السعوديّة (3000 جندي) وكامل عتادها وسيرفع مِظلّة الحِماية، إذا لم يُوقِف الحرب النفطيّة ويُخَفِّض الإنتاج فَورًا.
التّحالف الأمريكيّ السعوديّ طريقٌ من اتّجاهٍ واحدٍ، أيّ من الرياض إلى واشنطن، وبالأحرى من العوائد الماليّة السعوديّة إلى الخزانة الأمريكيّة، عبر صفقات الأسلحة والاستِثمارات التي تدعم الاقتصاد الأمريكيّ، وتَخلِق فُرص عمل للعاطِلين الأمريكيين، وإذا جفّ الضّرع السعوديّ فإنّ هذا التّحالف سيتآكلُ حتمًا.
تتوارد تسريبات سعوديّة هذه الأيّام بكثافةٍ تقول إنّ الحُكومة على أبواب إصلاحات لتحسين سجلّها الخاص والسّيء المُتعلِّق بحُقوق الإنسان بعد الأضرار الكبيرة التي لَحِقَت به من جرّاء الاغتِيال البَشِع للصّحافي جمال الخاشقجي، وقتل أكثر من 100 ألف يمني في الحرب الحاليّة على اليمن، وتُشير هذه التّسريبات إلى إلغاء عُقوبتيّ الجلد، ووقف تنفيذ حُكم الإعدام بالمُجرمين القُصّر كمُقدِّمة أو تمهيد لهذهِ الإصلاحات.
في تقديرنا أنّ هذه الإصلاحات قد تكون “تجميليّة”، ولن تُلبِّي الشّروط المطلوبة داخليًّا وخارجيًّا، ويُمكِن أن تكون مقبولةً قبل عدّة سنوات أمّا الآن فالظّرف تغيّر “واتّسع الخَرق على الرّاقع”.
فالسّؤال الكبير المطروح حاليًّا هو: ما الذي ستُقدِّمه القيادة السعوديّة لشعبها مُقابل الإجراءات الصّارمة و”المُؤلمة” التي أعلنها وزير ماليّتها السيّد الجدعان، وقد تَمُس لُقمة عيشه ومُستقبل تقشّفي لأطفاله؟
***
الأسرة الحاكمة السعوديّة كانت في الماضي تقول للشّعب السعودي نحن نُقدِّم لك الأمن والأمان والرّخاء والاستقرار مُقابل أن تترك إدارة البِلاد لنا، الوضع الآن يتغيّر بسُرعةٍ بسبب تآكل العديد من جوانب هذه المُعادلة، فالرّخاء يتبخّر، والاستِقرار بات مَشكوكًا فيه بعد تطوّرات 6 سنوات من حرب اليمن ووصول الصواريخ الحوثيّة إلى مُنشآت أرامكو في بقيق وخريص، وفرض ضرائب قد يدفع المُواطن للمُطالبة بالشّراكة في الحُكم، والشفافيّة في توزيع ثروة بلاده وكيفيّة إنفاقها، ولهذا فأيّ إصلاحات “تجميليّة” ربّما تُعطِي نتائج عكسيّة.
لا نَعرِف مَن هُم “مُستشارو” القيادة السعوديّة الحاليّة، ولكن ما نعرفه أنّ استِشارتهم الاقتصاديّة والسياسيّة والإعلاميّة قد ألحَقت أضرارًا جسيمةً بالمملكة على الصّعد كافّة وهزّت صُورتها في العالمين العربيّ والإسلاميّ، وباتت تُهدِّد أهم أركانها وهي إدارة الحرمين الشريفين وموسم الحج، خاصّةً بعد الذِّهاب بعيدًا في درب التّطبيع، وربّما هذا ما تجنَّب الإشارة إليه السيّد الجدعان وزير الماليّة وهو يُحذِّر من الوضع الخطير الذي تُواجِهه المملكة في المُستقبل القريب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا يَقصِد وزير الماليّة السعودي عِندما يُحذِّر من إجراءاتٍ صارمةٍ ومُؤلمة ماذا يَقصِد وزير الماليّة السعودي عِندما يُحذِّر من إجراءاتٍ صارمةٍ ومُؤلمة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib