فليسرقوا آثارنا لأننا لا نستحقها

فليسرقوا آثارنا لأننا لا نستحقها

المغرب اليوم -

فليسرقوا آثارنا لأننا لا نستحقها

عبد الرحمن الراش


ما فعله «الدواعش» في العراق يكشف حقيقة أننا لا نستحق كنوز التاريخ التي في متاحفنا، وتحت رمالنا. نسكن فوق إرث عظيم لا نعرف قيمته لنا وللعالم أجمع، لهذا أتلفت الآثار كما لو كانت مجرد ألعاب أطفال بالية. وحتى لا يندثر ما بناه آباؤنا الأوائل، وصناع حضارات من سبقنا، بسبب الجهل والتخلف المنتشر بيننا، علينا أن نعير هذه الكنوز لمن يعرف قيمتها ويحافظ عليها، إلى أن يأتي يوم، أو قرن مقبل، نكون قد بلغنا الرشد وأصبحنا محل المسؤولية التاريخية، حينها يحق لنا أن نطالب باستعادتها.
لم يعرف التاريخ القديم والمعاصر همجية ولا تدميرا للتأريخ مماثلا لما فعله المتطرفون في بابل ونمرود ومتحف الموصل، أتلفوا بفرح آثارا عاشت أكثر من ثلاثة آلاف عام. وسبق للمتطرفين أن قاموا بتدمير مثلها في سوريا، وسبقهم تنظيم القاعدة في أفغانستان، وفعل الشيء نفسه المتطرفون في ليبيا، يضاف إلى ما ارتكبه «الدواعش» حتى في الدول المستقرة، ظنا منهم أنهم يحاربون الشرك ومظاهره. بعد هذه الجرائم المتكررة صار يتحتم علينا أن نعيد قراءة العلاقة بيننا وبين بقايا الماضي وأطلاله وشواهده، ونعترف بأننا لا نستحقها.
ما حدث في العراق، ليس مجرد أزمة عابرة، بل مسألة متجذرة، تعرينا. وبدلا من أن نلوم القلة المتطرفة علينا أن نعترف بحقيقة أننا أمة متخلفة، تعيش عصر الظلام والانحطاط، بوجود «داعش» و«القاعدة» وَمنْ على شاكلتهما من المتطرفين، يملون إرادتهم على كل من حولهم. وبالتالي، لا يوجد مبرر أن نكابر ونصرّ على حقوقنا في ملكية الآثار، الواجب يقتضي تهريبها إلى حيث يمكن حفظها ورعايتها ودراستها في متاحف العالم الكبرى.
ولنا تاريخ طويل مع الجهل بأهمية الآثار وكنوز التاريخ وحفظها، وقبل شهر كسر أحد منظفي المتحف المصري «ذقن» توت عنخ أمون، أعظم التحف في التاريخ، وسبق للرئيس العراقي أن وضع تمثاله بين تماثيل نبوخذنصر، وكاد الرئيس الراحل عبد الناصر أن يدفن مدينة آثار كاملة عندما قرر أن يبني سد أسوان، لولا أن هرعت دول العالم وقامت بنقلها قطعة قطعة. وفي شبه الجزيرة أتلف كثير من الحفريات والجداريات ظنا من الأهالي أنها رسوم محرمة.
ولحسن الحظ، حظنا نحن، أن علماء الغرب وتجاره قاموا بنقل ونهب آثار من أرض النيل، وبلاد الرافدين، وقلاع اليمن، وغيرها، وهي اليوم محفوظة في متاحف فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وتركيا وغيرها. ومع أن كثيرا من الغيورين رفعوا أصواتهم محتجين ومطالبين باستعادة ما نقل وسرق، إلا أن بعضنا كان يعرف في قرارة نفسه أن نقلها إلى الخارج كان خيرا لأننا لا نستحقها، لم نصل بعد إلى مرحلة الوعي بأهمية الآثار ولا القدرة الرسمية على حمايتها ولا الإمكانيات العلمية المتقدمة لحفظها ورعايتها ودراستها.
تخيلوا أن متطرفي الإسلاميين كانوا هم من حازوا الكنوز العظيمة مثل تمثال نفرتيتي الذي هرب إلى ألمانيا في مطلع القرن الماضي، وتمثال الملكة حتشبسوت، ورأس تمثال رع ابن الملك خوفو، والمسلات الباسقة، وبقية الخمسة آلاف قطعة أثرية المصرية.. تخيلوا لو أن الآثار البابلية التي تحكي التاريخ العراقي الموجودة اليوم في المتحف البريطاني بقيت في العراق، نحن نعرف أنها ستنتهي نهاية بقية الآثار التي كسرها «الدواعش» بفرح وفي احتفالية كبيرة! لحسن حظنا أن نحو أربعة ملايين مخطوطة عربية وإسلامية كلها مخزنة في متاحف وجامعات غربية، وإلا كانت اليوم إما أحرقها مجانين «داعش» أو أكلتها فئران المخازن المهملة في مستودعات المتاحف العربية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فليسرقوا آثارنا لأننا لا نستحقها فليسرقوا آثارنا لأننا لا نستحقها



GMT 16:51 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتصار

GMT 16:49 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى الكويت لحضور “قمة الخليج 45”

GMT 16:46 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران والدور الجديد لـ«حزب الله»

GMT 16:44 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران... وسورية المكلِّفة

GMT 16:42 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

من دفتر الجماعة والمحروسة

GMT 16:41 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

السلام في أوكرانيا يعيد روسيا إلى عائلة الأمم!

GMT 16:39 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان

GMT 16:38 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 08:46 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

المغربية ابتسام تسكت تكشف عن جديدها الفني المُرتقب عرضه
المغرب اليوم - المغربية ابتسام تسكت تكشف عن جديدها الفني المُرتقب عرضه

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 11:52 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

تشكيل الوداد لمواجهة النجم الساحلي

GMT 04:35 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إليكم أفضل الأماكن في لبنان لهواة رياضة ركوب الشواطيء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib