نَفَسٌ تحرري في الثورات

نَفَسٌ تحرري في الثورات

المغرب اليوم -

نَفَسٌ تحرري في الثورات

عبد الرحمن الراشد
بقلم: عبد الرحمن الراشد

عند التأمل في الأحداث الكبيرة الثلاثة في المنطقة، إيران والعراق ولبنان، نجد أنها أكثر من محاولة الانعتاق من أنظمة فاشلة، وأوضاع اقتصادية بائسة. أيضاً، فيها تجانس في الهوية الفكرية، والبروفايل للفرد والمجتمع الذي يمثله الغاضبون السائرون في الشوارع، في طهران والبصرة وبيروت. هم شباب ضد صيغة النظام السياسي الحاكم قديم الملامح والممارسات، حتى العراق الذي تقوده مؤسسات وأنظمة جديدة نسبياً، إلا أن القيمين عليها يشبهون مَن هم في طهران وبيروت.

إضافة إلى الوقوف ضد الفشل والفساد، هذه ثورة ذات دعوات تغيير اجتماعي أكبر من الرغيف والوظيفة، ضد التطرف الديني ومع الانفتاح الاجتماعي. فيها روح ليبرالية تنسجم مع متغيرات العصر في المنطقة. في إيران، نحو ستين مليون شخص تحت سن الخامسة والثلاثين لا يمتُّون بصلة للقابعين في قم وقصور طهران، والنسبة والأزمة نفسها في العراق ولبنان. هناك المظاهر المعادية صريحة ضد هيمنة المحافظين ورجال الدين، حتى في مدينتين تعيشان روحياً واقتصادياً على المنافع الدينية، مثل كربلاء والنجف. رفعت المظاهرات شعارات صريحة في العداء للقيادات الدينية بلا استثناء. الصور والأصوات واليافطات في كل الدول الثلاث تهاجم الوضع المحافظ القائم، لأنه مركب للسياسيين وحكم كيانات الدولة، والنتيجة أن كل هذه الأنظمة الثلاثة نجحت في الهيمنة الدينية، وفشلت في تقديم حلول اقتصادية للبلاد، ومعيشية للناس، وحرمت الشباب من حرياتهم وحياتهم الطبيعية وحقهم في رسم حاضرهم ومستقبلهم. هل الذين يتظاهرون في بيروت يعرفون أحجام القوى على الأرض؟ هل يخشى حَمَلة الطناجر من حَمَلة البنادق؟ ربما لا، أو لا يبالون في مقابل التصريح برغبتهم في التغيير، ونلاحظ أنه من الفطنة أنهم لا ينزلقون مع ثعالب القوى المهيمنة، مثل الرئاسة و«حزب الله» والمستفيدين من الوضع القائم، الذين يحاولون جرّ الغاضبين إلى مزالق التخوين، مثل سلاح المقاومة، أو شرعية المقاومة، أو العلاقة مع إسرائيل. تحاشوها تحاشياً لمنح حراس النظام من تخوينهم واعتبارهم أعداء الأمة ثم القضاء عليهم.

وفي إيران، ساروا بعيداً، رفض المتظاهرون وصاية آية الله، أي أقصى حدود التمرد في المجتمع الإيراني الذي رضع كل الشباب تقديسه من قبل النظام، في سبيل ضمان الحكم بعد إسقاط الشاه. هذه ليست تماماً ليبرالية ديمقراطية غربية، لكن فيها توق كبير للخلاص، لإسقاط المؤسسة الدينية الجاثمة على صدور تسعين مليون إنسان أربعين سنة. النموذج الديني فشل في إيران والعراق. حتى لبنان، الذي باسم الهلال والصليب يقتسم السياسيون فيه مقدرات البلاد من النفايات إلى النفط، فشلوا في خدمة مواطنيهم.

إيران كانت غنية ومشعّة وقائدة في المنطقة تحت إدارة الشاه، ثم انتهت في أعظم تراجيديا بالمنطقة، بسبب حكم رجال الدين الذين أصروا على الاستيلاء على الحكم، لا الجلوس ناصحين وواعظين لرجال الحكم. ولم تكفهم زراعة المأساة في إيران، بل تمددوا عبر الحدود والدين إلى الجارة العراق. وأصبحت المؤسسات السياسية الحديثة هناك ممرّاً سهلاً لرجال الدين الإيرانيين مستخدمين البرلمان والرئاسات للتأثير والهيمنة على السياسيين المدنيين. وفي لبنان، ورث الطائفيون المستعمرة الفرنسية اللبنانية القديمة، الناس فيها على اختلاف ثقافاتهم ومعابدهم تحنُّ إلى الخلاص والتغيير. وكانت أغاني وأهازيج المحتجين أكثر جرحاً وإيلاماً للزعامات السياسية التي لا تعرف كيف تتعاطى مع هذا الوضع المختلف. فالمحتجون لا يرفعون أعلام أميركا وإسرائيل، ولا يهتفون لطائفة ضد غيرها، ولا لزعيم ضد آخر.

نحن نشهد تبدلات فكرية، وليست فقط معيشية، وستسقط المؤسسات المغضوب عليها، إن لم تتبنَّ مشروعهم، وتسير معهم في الطريق نفسه، وإن لم تفعل فلن تنجوَ، وإن نجت هذه المرة.

 

قد يهمك ايضا
طُرق لبنانية لا تزال مغلقةً بعد ليلةٍ مِن الاشتباكات بين المتظاهرين وأنصار "حزب الله"
مناصرو "حزب الله" وحركة "أمل" يُهاجمان قوات الجيش والمتظاهرين في لبنان

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نَفَسٌ تحرري في الثورات نَفَسٌ تحرري في الثورات



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا

GMT 17:06 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

وليد الكرتي جاهز للمشاركة في الديربي البيضاوي

GMT 06:59 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

كليروايت تغزو السجادة الحمراء بتشكيلة متميزة

GMT 17:54 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الفالح يُعلن أهمية استمرار إجراءات خفض إنتاج الخام

GMT 19:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

مهرجان أسوان لأفلام المرأة يفتح باب التسجيل بشكل رسمي

GMT 05:45 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

ابتكار روبوت مصغر يتم زراعته في الجسم

GMT 23:06 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

مشروع الوداد يؤخر تعاقده مع غوركوف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib