هل تنجح الديبلوماسية في منع الانزلاق من حافة الهاوية إلى قعرها

هل تنجح الديبلوماسية في منع الانزلاق من حافة الهاوية إلى قعرها؟

المغرب اليوم -

هل تنجح الديبلوماسية في منع الانزلاق من حافة الهاوية إلى قعرها

بقلم : عريب الرنتاوي

حفلت الساعات الثمانية والأربعين الفائتة، بمواقف وتصريحات مستلهمة من نظرية “حافة الهاوية” ... ذُكرت الحرب العالمية الثالثة في أكثر من تصريح صادر عن موسكو وواشنطن، ولا يهم كثيراً أنها جاءت في سياق النفي والاستبعاد ...  ذُكرت الحرب الإقليمية الواسعة في تصريحات لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في إشارة للوجود العسكري التركي “الاحتلالي” في العراق ... وبين التلويح والتحذير والتهديد بالحربين الإقليمية والدولية، صدرت تصريحات مفعمة بالتصعيد والحسم العسكريين، و”الخطوات الأحادية” و”جميع الخيارات على الطاولة” و”الزلزال” الذي سيضرب المنطقة وتوازناتها الجيو – استراتيجية، إلى غير ما هنالك كثير.
منذ انتهاء الحرب الباردة، بل وحتى في سياقاتها، وربما منذ أزمة السويس، لم تشهد العلاقات الدولية مثل هذا التأزيم والتوتر في العلاقات الدولية، اللذان تنعقد أسبابهما في سوريا وعليها ... لطالما اعتقدنا أن سوريا دولة محورية من دول المنطقة، لكن حتى بالنسبةلأكثرنا مبالغة و”تطيراً” في تقدير المكانة الاستراتيجية لهذه الدولة، لم يكن يرد بخاطره، أن تكون سوريا سبباً في دفع العلاقات الدولية والنظام العالمي الجديد إلى “حافة الهاوية”، كما يحصل الآن.
صحيح أن المراقب للمشهدين الإقليمي والدولي، يلمس “رغبة” و”إرادة” لدى اللاعبين الكبار بعدم الانزلاق ووقف التدهور ... ولكن من قال إن الوقوف عند “حافة الهاوية” يمكن أن يكون لعبة مضبوطة ومتحكم بها؟ ... وكم من مرة انزلقت فيها دول ومعسكرات من حافة الهاوية إلى قعرها، من دون أن ترغب بذلك، بل وبالضد من إرادتها ومصلحتها، سيما وأننا بإزاء وضع معقد ومركب في سوريا وحولها، يجعل احتمالاً من هذا النوع، غير قابل للاستبعاد بالكامل أو النفي بالمطلق.
منذ العصر النووي، وبالأخص بعد الاستخدام المدمر لقنبلتي هيروشيما وناغازاكي، ظهرت نظرية في العلوم الاستراتيجية تقول: “إن البشرية باتت مضطرة للابتعاد عن حافة الهاوية بخطوة أو خطوتين على الأقل، تفادياً لمخاطر الانزلاق فيها”، وهذه النظرية هي الوجه الآخر لنظرية أخرى تقول: “إن البشرية ستبتعد عن الحروب كلما امتلكت القدرة على ممارسة الإفناء الذاتي”، وربما لهذا السبب بالذات، نمت ظاهرة “حروب الوكالة” بين الكبار، باعتبارها السبيل للبقاء على مبعدة خطوات من قعر الهاوية وحافتها ... سوريا - الأزمة، تنهض كشاهد على احتدام حروب الوكالة أولاً، وهي اليوم، الملعب الذي قد تختبر فيه البشرية من جديد، خيار الحروب المباشرة ثانياً، في ظل هذا الاحتشاد الكثيف في الأرض والسماء، لجيوش مراكز عالمية وإقليمية كبرى: روسيا، الولايات المتحدة، تركيا وإيران، فضلاً عن وجود رمزي، ولكن مباشر، لقوات من دول أخرى، مثل فرنسا وبريطانيا وغيرها ... نحن إذا أمام مساحة ضيقة، تلتقي فوقها، وفي خنادقها المتقابلة، جيوش من أكبر دول الإقليم والعالم، وليس ثمة ما يدعو للاطمئنان، بأن الصدام مستحيل، حتى وإن عن طريق الخطأ، وأحياناً “المؤامرة” وثالثة “الخطأ المقصود”.
وفي التجربة السورية، حدث صدامان مباشران بين لاعبين كبار، أمكن احتواء تداعياتهما حتى الآن: الأول، بين تركيا وروسيا (حادثة الطائرة) التي كادت أن تقود إلى صدام أوسع بين الدولتين ... والثانية، في الغارة الأمريكية – البريطانية –الأسترالية على دير زور، والتي قالت واشنطن أنها وقعت بالخطأ، وتؤكد موسكو ودمشق، انها متعمدة ... في كلتا الحالتين، كان السبب وراء عدم الانزلاق إلى قعر الهاوية، عائد للاعتذارات المقدمة، والتعهدات بعدم تكرار الأمر ثانية.
اليوم، وفي ضوء المراجعات الأمريكية لسياسة واشنطن في المنطقة، ومن خلال قراءة الخيارات والبدائل التي يجري تداولها حول الخطوة الأمريكية التالية، يبدو أن تكرار هذه “الأخطاء” بات سيناريو مرجحاً ... كما أن السباق إلى مديني الباب والرقة – وبدرجة أقل منبج – ومعركة الموصل المرتقبة، والموقف التركي الاستفزازي – المذهبي الذي أعلنه أردوغان، ورد فعل البرلمان والحشد ورئيس الحكومة في العراق، كلها عوامل تبعث على القلق والتحسب من جهة، لكنها من جهة ثانية، ترفع منسوب الرهان على الديبلوماسية، بوصفها السلم الذي سينزل الأطراف المتحاربة من على قمة الأشجار التي صعدوا إليها، وباعتبارها الخيار الوحيد المتبقي لدفع الأطراف للتراجع خطوة أو خطوتين عن حافة الهاوية، قبل الانزلاق إلى قعرها المظلم.
“قعقعة السلاح” التي تصم الآذان في الإقليم، وضجيج التهديدات والاتهامات المتبادلة، تدفع سكانه، بالأخص في سوريا والعراق، إلى حبس انفاسهم بانتظار ما سيحصل ... لكن من “يلقي السمع” لطوفان التصريحات الحربية المتلاطمة، لا يفوته أن يسمع صوت الديبلوماسية الخفيض، وأن يرى ابواباً “مواربة” وليست محكمة الإغلاق ... ما زال في الأمر متسع من الوقت للديبلوماسية، حتى وإن كانت نافذة الفرص تضيق باستمرار وتتسرب من بين أصابع مختلف اللاعبين، يوماً إثر آخر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل تنجح الديبلوماسية في منع الانزلاق من حافة الهاوية إلى قعرها هل تنجح الديبلوماسية في منع الانزلاق من حافة الهاوية إلى قعرها



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:17 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

صبا مبارك تعتمد إطلالة غريبة في مهرجان البحر الأحمر

الرياض - المغرب اليوم

GMT 13:35 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيمان العاصي تكشف تفاصيل مشاركتها في حفل جوائز the best
المغرب اليوم - إيمان العاصي تكشف تفاصيل مشاركتها في حفل جوائز the best

GMT 16:08 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إنستغرام تتخلص من التحديث التلقائي المزعج عند فتح التطبيق

GMT 16:24 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الجدي" في كانون الأول 2019

GMT 06:43 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أمزازي يؤكد أن الإحباط يحدّ من الرقي بمستوى الجامعات

GMT 20:23 2017 الإثنين ,20 شباط / فبراير

محمد برابح ينتقل إلى فريق نيميخين الهولندي

GMT 01:58 2020 الإثنين ,30 آذار/ مارس

علامة صغيرة تشير إنك مصاب بفيروس كورونا

GMT 06:32 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم في إطلالة جذابة باللون الأسود

GMT 01:51 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين زفاف تُناسب شكل جسم العروس وتُظهر جمالها

GMT 14:27 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

محمود الخطيب يُشعل حماس لاعبي "الأهلي" قبل مواجهة "الترجي"

GMT 06:12 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

"إيتون Eaton- واشنطن" عنوان مميَّز للفنادق الفخمة

GMT 14:01 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حياة "غريس موغابي" المرفهة تتحول إلى أمر صعب للغاية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib