فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى

"فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى"

المغرب اليوم -

فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى

عريب الرنتاوي
عريب الرنتاوي

تستطيع "الدولة" أن تركن إلى "موسمية" ردود الأفعال الشعبية والطالبية والحزبية الرافضة للتعديلات الدستورية الأخيرة، أو لصفقة "الماء مقابل الكهرباء"، وربما تراهن على ما تعتقده "ذاكرة سمك" أصابت الرأي العام الأردن ...وقد تعوّل الدولة على "قلة أعداد المشاركين" في التظاهرات والاعتصامات، والأهم، أنها تستطيع أن تبني على غياب أو تغييب غالبية الأردنيين عن الشأن العام، كما أظهرت استطلاعات الرأي العام.

لكن ما لا تستطيع "الدولة" أن تركن إليه، هما أمران أساسيان: أحدهما؛ أنه في كل مرة تتضارب فيها أقوالها مع أفعالها، يتآكل مدماك آخر في جدران الثقة، وتتسع الفجوة بين الحاكم والمحكوم، بصورة يصعب ردمها ... خسران الثقة أسهل بكثير من استعادتها، تلكم خلاصة جوهرية لتجارب الدول والأفراد، وفجوة الثقة كـ"المقص" كلما اتسعت المسافة بين شفرتيه كلما كان أشد مضاءً وخطورة ... وثانيهما؛ أن قوانين الديالكتيك تفعل فعلها في المجتمع كما في الطبيعة، وأن التراكمات الكمية تحفر عميقاً بصمت وتدرج وهدوء، وغالباً تحت سطح المياه الراكدة، مُفضيةً لا محالة، إلى تغيير نوعي، وأنها قد تكون بانتظار "طفرة" أو "قفزة" لكي تأخذنا من حال إلى حال، حتى وإن لم يكن حالنا الجديد، أفضل من حالنا القديم بالضرورة، فالتغيير سنّة الحياة، ولا ثابت إلا التغيّر


ثمة مبادرة ملكية، لجنةً وتوصيات منبثقة عنها، أثارت قدراً من الارتياح النسبي لدى قطاعات واسعة من الطبقة السياسية الأردنية، ولم أقل لديها جميعها، كما لم أقل لدى الرأي العام، الذي أظهرت الاستطلاعات، أنه لم يعرف عنها وربما لم يدر بها ... فجأة تأتي "الإضافات الحكومية" على توصيات اللجنة الملكية، لتنزع دسمها، وتحيلها إلى نقيضها، فيصاب الفاعلون بانسداد شهية، إن لجهة الوعد بتطوير المنظومة الحزبية أو لجهة الرهان على برلمان قائم عليها، والأهم، لجهة انتظار الحكومات البرلمانية العتيدة، والتي أحالتها التعديلات الحكومية إلى مجالس بلدية موسعة، لا أكثر ولا أقل.

ثم تحظى قضية "تمكين" الشباب بالنصيب الأوفر من نقاشات "ما بعد اللجنة"، وتنتظم عشرات المؤتمرات والندوات "المبشّرةِ" بدخول الأردن مرحلة جديدة على هذا المضمار ... فجأة، وما أن يمتلك الشباب فرصة التعبير عن آرائهم بما يدور حولهم من تطورات، ودائماً بصورة سلمية وحضارية، حتى نجد العشرات منهم في السجون، يتوزعون على أربع أرجاء المملكة، ويتطلب الإفراج عنهم، كفالات فلكية تعجيزية.

مروراً بصفقة "الماء مقابل الكهرباء"، والتي أظهرت حجم "الهرقلة" التي ميّزت الأداء الحكومي في تناولها، من وزير ينبري نافياً في الصباح، إلى آخر يظهر مبتسماً على مائدة التوقيع في المساء، قبل أن يعود لزيادة الطين بلّة وهو يسعى للتخفيف من وقع الصدمة، حين قال – لا فُضّ فوه - إن التفاوض بشأن "إعلان النوايا" لم يستغرق أكثر من 24 ساعة ... أي استخفاف هذا؟
على أن ما سبق ذكره، ليس الفصل الأكثر أهمية من حكاية "الماء مقابل الكهرباء"، فالصفقة بذاتها، تحكي قصة غرائبية، عن أداء متميز في مواجهة صفقة القرن، حين كان أركانها على رأس عملهم، وفي "عزّ جبروتهم" في البيت الأبيض ومقر رؤساء حكومات إسرائيل، ثم انجراف وراء "الاتفاقات الإبراهيمية" بدلالاتها الخبيئة والخبيثة، في الوقت الذي لا يغيب فيه عن "العقل الفطن والسليم"، أن علاقاتنا مع إسرائيل سائرة نحو صدام حتمي، إن نحن قررنا الذود عن مصالحنا الوطنية العليا في فلسطين والقدس والمقدسات ... أي تناقض هذا؟

كل ما راكمته "الدولة" وهي تقف متصدية لمحاولات تهميش الأردن ودوره، والانقضاض على حقوق فلسطين وشعبها، زمن ترامب – نتنياهو وأعوانهما في المنطقة، يكاد يتبدد بجرة قلم على ورقة التفاهمات والنوايا ... وكل أشكال التعاضد والتضامن بين "الدولة" وشعبها في تلك الأزمنة، بات محاصراً بالشكوك والاتهامات وانعدام اليقين...والأخطر من كل هذا وذاك، أنه لم يعد لدى إسرائيل ما تقلق منه أو عليه، فهي تفعل ما تشاء، وقتما تشاء وكيفما تشاء، ونحن نمضي قدماً في "تطبيع" علاقاتنا معها، وتكريس "اعتماديتنا" عليها، حتى أنها لم تعد بحاجة لقراءة بيانات الشجب والاستنكار التي تصدر تباعاً عن "خارجيتنا".

تجربة الأيام الفائتة، شفّت عن تلازم حتمي بين السياستين الخارجية والداخلية لأنهما تصدران عن "المطبخ" ذاته ... فالسياسات الخارجية غير الشعبية، تستدعي سياسات داخلية غير شعبية كذلك، لا مطرح فيها لحكومات وبرلمانات معبرة عن الإرادة الشعبية، ولا متسع فيها لـ"التمكين"، بل وتوجب على ما يبدو، إظهار "العين الحمراء" لكل من صدّق بأن باب المشاركة بات مفتوحاً على مصراعيه، وأن لحريتنا سقفٌ واحدٌ، حدوده السماء.

يحدث ذلك كله، ضمن فاصل زمني قصير، بل وقصير للغاية، بإرادتنا وفعل أيدينا، ثم يأتيك بعد ذلك، من يتهم جهات خارجية وأجندات مشبوهة بزرع الشقاق وانعدام الثقة وتقويضها ... أيها السادة، نحن من نفعل ذلك بأنفسنا، ولا صحة أبداً للزعم بأن "أخاك مُكرهٌ لا بطل"، لا بطولة فيما حصل ولا إكراه فيما سيحصل، ومن الحصافة أن نستذكر دائماً مفاعيل قوانين الجدل (الديالكتيك)، فقد تأخذنا على حين غرة، وغالباً من حيث لا نحتسب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:34 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
المغرب اليوم -

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib