طهران – أنقرة احتواء الخلافات بات مهمة صعبة

طهران – أنقرة: احتواء الخلافات بات مهمة صعبة

المغرب اليوم -

طهران – أنقرة احتواء الخلافات بات مهمة صعبة

بقلم : عريب الرنتاوي

لم يكن لكل من أنقرة وطهران أن تُخرجا خلافاتها الثنائية إلى العلن، لو أنه كان بوسعهما إبقاءها تحت البساط ... فالدولتان الجارتان الكبريان، نجحتا من قبل في تحييد خلافاتهما حول قضايا إقليمية عديدة، وأمكن لهما نسج علاقات ثنائية وطيدة، وفي شتى المجالات تقريباً، وطوال سنوات طويلة ... ولقد خضعت العلاقات الثنائية بينهما لأشد اختبار طوال ست سنوات من عمر الأزمة السورية، واجتازته بنجاح، إلا انهما تشارفان اليوم على ولوج عتبة “سوء تفاهم عميق” على أقل تقدير، إن لم نقل الدخول في مرحلة من التصعيد المتبادل.... فما الذي أدى إلى كل ذلك؟ ... وكيف انتقلت العلاقة من ذروة تحسنها بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا (15 تموز/ يوليو) إلى مرحلة التراشق الإعلامي والدبلوماسي بعد المكالمة الهاتفية التي استغرقت 45 دقيقة بين رجب طيب أردوغان ودونالد ترامب في الثامن من شباط/ فبراير الجاري؟

من بين دول قليلة في العالم، وقفت إلى إيران ومعها روسيا، ضد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي استهدفت الإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية... طهران لم تترد في نقد الانقلاب ودعم “السلطة الشرعية”، فيما عواصم الغرب لاذت بصمت القبور، ولفترة من الزمن كانت كافية لانجلاء غبار المواجهات والمطاردات العسكرية بين فلول الانقلابيين ونظام الرئيس أردوغان ... وقد عدّت حكومة أنقرة، تلك المحطة الفاصلة في حكم العدالة والتنمية، علامة فارقة ومقررة في علاقاتها الدولية، لها ما قبلها وما بعدها ... وجهت أعنف الانتقادات لعواصم الغرب “المنافق”، وكالت أخطر الاتهامات لواشنطن بالضلوع في المحاولة الانقلابية، ولوحت بإغلاق “أنجرليك” في وجه سلاح الجو، بعد أن تحولت القاعدة الشهيرة إلى “وكر تآمر” للانقلابيين.

يومها بدأ الحديث عن “استدارة تركية” في السياسة الخارجية، وبالأخص في سوريا ... انفتحت أنقرة على طهران، وقفزت العلاقات الروسية التركية خطوات كبرى للأمام، وبدا أن “حلفاً ثلاثياً” قد أخذ في التشكل، وهو “الحلف” الذي سيشكل شبكة أمان إقليمية لمعركة الجيش السوري في حلب الشرقية، ومن بعدها لمسار “أستانا” ... ويومها أيضاً، بدا أن علاقات أنقرة مع دول “الاعتدال العربي”، الخليج بخاصة، قد تعرضت لموجة برد وصقيع، أسفرت عن تآكل أدوار كل من قطر والسعودية في الشمال السوري، بعد أن وضعت تركيا يدها على فصائل المعارضة المسلحة، ونجحت في إلحاقها بقاطرة “درع الفرات”.

لم تكن “الاستدارة التركية” مجانية بالطبع، فقد حصلت أنقرة على ضوء أخضر روسي لاجتياح الأراضي السورية بدءاً من جرابلس، وتوسعت في بناء “منطقة آمنة” وصولاً إلى مدينة الباب، ودفع أكراد سوريا ثمناً من كيسهم، على مذبح هذه “الاستدارة”، والأهم أن تركيا حجزت لنفسها مقعداً مهماً على موائد البحث في مستقبل سوريا، سلماً أم حرباً... بعد أن أمكن لها “تعويم” فصائل عديدة محسوبة عليها ومقربة منها، ظلت إلى حينه، مدرجة على قوائم المنظمات الإرهابية لدى كل من طهران وموسكو ودمشق.

لكن أحلام “السلطان” لا حدود لها، وهو إن قبل على مضض بتخفيض سقف توقعاته ورهاناته في سوريا، فإنه فعل ذلك “مكرهٌ أخاك لا بطل”، وعلى أمل أن تتوافر الفرصة لاحقاً للإفلات من قبضة التفاهمات مع موسكو وطهران ... إلى أن جاء دونالد ترامب بمشروع إشعال حروب متعددة المسارات ضد إيران وبرنامجها النووي ودورها الإقليمي، ليجد أرودغان في أطروحات الرئيس الأمريكي الجديد، “خشبة الخلاص” التي انتظرها لاستعادة أحلامه باستئناف دوره الإقليم التوسيعه، ودائماً عبر البوابة السورية.

حينها قلنا في هذه الزاوية بالذات، إن تركيا بصدد استحداث استدارة ثانية، أسميها “استدارة على الاستدارة”، ويمكن التأريخ للمكالمة الهاتفية المطوّلة المذكورة بين ترامب وأردوغان، بوصفها بداية الاستدارة الثانية... أنقرة عادت للحديث عن المناطق الآمنة الموسعة في الشمال، المسيّجة بأجواء محظورة على الطيران الروسي والسوري ... أنقرة عادت للحدث مجدداً عن الأسد بوصفه جزءاً من المشكلة وليس عنصراً من عناصر الحل ... أنقرة اقترحت تشكيل نواة “جيش وطني جديد لسوريا” من الجماعات المسلحة التابعة لأجهزتها الاستخبارية والتيار الإخواني / السلفي وفصائل التركمان و”الذئاب الرمادية”، يزاحم دمشق على جيشها، إم لم يكن بديلاً عنه.

على أجنحة التصعيد الأمريكي غير المسبوق ضد إيران، حلقت أحلام “السلطان” عالياً من جديد ... عرض على واشنطن أعلى درجات التعاون في الحرب على داعش والإرهاب، مقابل رأس أكراد سوريا وتركيا بالطبع (ومعهم رأس فتح الله غولن إن أمكن)، وأخذ يداعب الميول العدائية الشديدة لدى الرئيس الأمريكي ضد إيران، فبدأ الحديث في أنقرة عن “الجارة اللدودة”، بوصفها “عنصر عدم استقرار وعرقلة” للحل في سوريا، وبدأت المطالبات بسحب قواتها وحرسها والمليشيات المحسوبة عليها من سوريا، على أمل أن يفضي ذلك كله إلى قبول “أوراق اعتماد السلطان” لدى الإدارة الأمريكية الجديدة.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد ... تركيا أعادت تنشيط علاقاتها مع دول الخليج العربية، وتحديداً قطر والعربية السعودية، وفي مسعى لحشد حلف الاعتدال العربي – الإقليمي (إسرائيل ليست بعيدة عن هذا الحلف) كما كشف وول ستريت جورنال، وحولت “مسار أستانا” في طبعته الثانية، إلى ساحة اشتباك مع دمشق وطهران وحلفائهما، بدلالة الفارق الجوهري بين مناخات “أستانا 1”وأجواء “أستانا 2”.

أدركت طهران أنها أكثر من غيرها، هي المستهدفة بالاستدارة التركية الثانية، وأن أنقرة تتجه للتموضع في “الناتو الإقليمي” الجديد الذي بشر بها الثنائي ترامب – نتنياهو ... وأن الأشهر السمان السبعة مع أنقرة، في طريقها لأن تستتبع بأشهر عجاف، لا أحد يعرف عددها ... ولم تكن موسكو بعيدة عن المشهد، إذ حذرت الأخيرة من “أجندة تركية خاصة” في سوريا، وبدأنا نسمع انتقادات ومخاوف من مغبة “خذلان السلطان للقيصر”.

هل ستواصل أنقرة استداراتها وتحولاتها، وأين تريد أن تصل، وكيف سينعكس ذلك على علاقاتها الثنائية مع طهران... ثمة ما يشي بأن تركيا سائرة على هذا الطريق، وستواصل السير عليه، طالما ظلت إدارة ترامب على مواقفها “النارية” ضد إيران، لكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه بإلحاح، هو أين تريد إدارة ترامب أن تصل، وهل ما تشتعل به وسائل الإعلام من مواقف وتهديدات سيكون جوهر السياسة الأمريكية حيال إيران، أو أن الأمر يحتمل تحولات وتبدلات؟ ... سؤال سيقرر ما إذا كانت تركيا ستظل سائرة في مسارها الحالي، أم أن ثمة “استدارة ثالثة” تنتظرنا على الطريق؟

المصدر : صحيفة الدستور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طهران – أنقرة احتواء الخلافات بات مهمة صعبة طهران – أنقرة احتواء الخلافات بات مهمة صعبة



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:17 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء

GMT 22:53 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المغربي ينجح في اختراق جرائم العصابات المنظمة

GMT 23:47 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلى علوي تستعيد ذكرياتها في الطفولة في "صالون أنوشكا"

GMT 06:26 2016 السبت ,24 كانون الأول / ديسمبر

عبود قردحجي يُؤكِّد أنّ 2017 ستكون مختلفة لمواليد "الجدي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib