«صحيح ما تقسم ومقسوم لا تأكل»

«صحيح ما تقسم ومقسوم لا تأكل»

المغرب اليوم -

«صحيح ما تقسم ومقسوم لا تأكل»

بقلم - عريب الرنتاوي

هذا هو حال قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وضعت نفسها في مقر مقفر في رام الله، تصفر فيه الريح، ونسيت شعبها في المنافي والشتات، وبدل أن تدّخر الطاقة التي بذلتها لتفنيد أهداف ومرامي مؤتمر إسطنبول، لإعادة بث وإحياء منظمة التحرير، رأينها تضرب يميناً وشمالاً وتكيل الاتهامات والإدانات جملة وبالتقسيط، لكل من خطط وموّل وشارك في أعمال المؤتمر المذكور.

دوائر عديدة ومسؤولون كبار وجيوش من المنظمين الموكلين بمهمة جمع الشتات وإدامة التواصل مع الأهل في منافيهم ومغترباتهم، لكن شيئاً على الأرض لا يُرى من هؤلاء، فالسؤال الذي قرع جدران مؤتمر إسطنبول كما تفيد تقارير المشاركين والتغطيات الصحفية هو: أين منظمة التحرير الفلسطينية؟ ... أين الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني؟

لست بصدد الحفر في نوايا المؤتمر وأهداف المؤتمرين، وأعرف أن طموحاً يراود فصائل أساسية (حماس هنا وبعض بقايا فصائل دمشق على وجه الخصوص) بخلق أطر موازية ومنافسة، وربما بديلة في لحظة ما، ونعرف نوايا المحور الإقليمي الذي يحتضن ويمول ويرعى، لكن الأهم من كل هذا الجهد العبثي، هو البحث فيما فعلته المنظمة لمنع ذلك وقطع الطريق عليه، وجعل فرص تحقيق المؤتمر لمراميه “السوداء” على حد وصفها، أمراً متعذراً ... الجواب ببساطة: لا شيء على الإطلاق.

المجلس الوطني الفلسطيني شائخ، آخر مرة التأم فيها على عجل في قاعة رشاد الشوا في غزة لتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني بحضور الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون وزوجته وابنته وطاقم الإدارة ... حدث ذلك قبل أكثر من عقدين من الزمان ... المجلس يتجدد بالوفاة فقط، ولولا العناية الإلهية لما تغير أحد، أطال الله في عمر البقية الباقية من أعضائه ... شيوخ وكهول، بلغوا من الكبر عتيّا، فأنى لهم أن يمثلوا “أعلى سلطة لدى الشعب الفلسطيني” كما اعتدنا على القول (زوراً وبهتاناً وإفكا”، وفي مجتمع نفاخر بالقول أن 70 بالمائة من مواطنيه هم من الشباب من دون سن الخمسة والثلاثين.

قبل أزيد من عشر سنوات، وفي سياق مشروع “الاحتياجات والهياكل المدنية للفلسطينيين في الشتات” الذي أشرفت عليه الأستاذ في جامعة أوكسفورد الصديقة كرمة النابلسي، اجتمعنا بممثلين عن عشرات الجاليات الفلسطينية، من أمريكا اللاتينية وحتى الخليج، مروراً بآسيا وأروبا وأفريقيا ... جميعهم بلا استثناء، تحدثوا عن غياب المنظمة، وعن شوقهم لها ولأيامها المجيدة ... تحدثوا عن تآكل الفصائل وترهل السفارات (حتى لا نقول فسادها)، جميعهم بلا استثناء، تحدثوا عن غزو “الحركات الإسلامية” الفلسطينية والعربية، إخوانية وسلفية، للجاليات الفلسطينية في الخارج، في غياب (وغيبوبة) المنظمة والفصائل ... بدل أن تنظر المنظمة لنتائج ذلك المشروع الذي وضع بين يديها، أدارت أذنا من طين وأخرى من عجين لكل توصياته، النابعة من صميم قناعات الفلسطينيين وأشواقهم، ومن دون تدخل من فريق البحث، يتخطى عن “المنهجة” و”التحرير”.

ستذهب “زوبعة مؤتمر إسطنبول” وستطغى الأحداث المتلاحقة في المنطقة على أخبار المؤتمر، لكن المنظمة، قيادتها على وجه الخصوص، ستواصل يومياتها المعتادة، وستعود إلى ممارسة طقوس الكسل والترهل، وانعدام القدرة على الحركة والتحرك، وضعف المبادرة والريادة، إلى أن يأتينا مؤتمر ثانٍ، فنعود لمواصلة انتقاداتنا واتهاماتنا من دون جدوى، لكأننا ننفخ في قربة مثقوبة، أو لكأننا أمام كابوس لا نقوى على الإفلات من غفوته العميقة والمرهقة.

لا ندري إلى متى سيظل القوم في رام الله نائمون على حرير أوهام الممثل الشرعي الوحيد ... هذا الكيان يتآكل، وقرارات الرباط التي كرسته على هذا النحو، في طريقها للتآكل بدورها، وثمة ميل عربي – إقليمي للقفز من فوق حكاية الممثل الشرعي الوحيد (تحدثنا عن ذلك في مقال سابق)، وثمة تجاوب فلسطيني، بريء ومشبوه، يتساوق ويتناغم من هذه الوجهة الإقليمية – العربية ... فما الذي يدفع هؤلاء للركون إلى “سحر الخاتم” الذي بأيديهم؟ ... وما الذي يدفعهم للاعتقاد بأن القلم الذي يحملون هو قلم ياسر عرفات، الذي طالما تغنى بشرعيته، وبعدم قدرة أي قوة على وجه الأرض، لكسره أو تحطيمه؟

الزمان غير الزمان، والرجال غير الرجال، والظرف غير الظرف ... إن لم تستدرك قيادة المنظمة وضعها الراهن، فستبكي مثل النساء ملكاً أضاعته، لم تحافظ عليه مثل الرجال ... هذا من تاريخنا القديم ... أما من تاريخنا الحديث، فالعالم لا يفهم سوى الأقوياء، والمجتمع كالطبيعة يكره الفراغ ... والفراغ حاصل وممتد، حتى بوجود رموز وأسماء شائخة على مقاعد المجلس واللجنة التنفيذية، وحشد من الفصائل الوهمية، التي لا يعادل وزن أغلبها وزن لاجئ فلسطيني فرد، تمكن من أن يجد لنفسه مكاناً تحت شمس الخليج أو ضباب لبنان أو برودة أوروبا وأمريكا الشمالية.

مؤسف هذه الاستمساك بأسماء ورموز ومسميات، سادت ثم بادت ... مؤسف أن نرى أمناء عامين وقادة فصائل قديمة وجديدة، وقد أخذ منها “الخرف” ما أخذ، تقرر حال الفلسطينيين ومآلاتهم ... منذ آخر مجلس وطني فلسطيني ... رحل كلينتون بعد دورة ثانية، وجاء جورج بوش، وتبعه أوباما بدورتين، أما قادتنا الأفاضل، فما زالوا على الأرائك يتكئون ... بئس الحالة التي آلت إليها الحركة الوطنية الفلسطينية.

لا أعرف سفيراً لدولة كبرى أو صغرى، أمضى في بلد معين أكثر من أربع سنوات... أعرف سفراء لفلسطين أمضوا في مواقعهم أكثر من ثلاثين وأربعين عاماً حتى أنهم ما عادوا يعرفون عن فلسطين مثلما يعرفون عن البلدان التي اوفدوا إليها ... أعرف أمناء عامين ونواب أمناء عامين وأعضاء مكاتب سياسية لفصائل، مضي عليهم في المنصب ما يناهز النصف قرن ... هذا حال من المحال أن يستمر ... وإن استمر على هذا المنوال، فلا يلومن أحدٌ من سعى لخلق الكيانات البديلة والموازية والمنافسة ... يداك أوكتا وفوك نفخ.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«صحيح ما تقسم ومقسوم لا تأكل» «صحيح ما تقسم ومقسوم لا تأكل»



GMT 16:05 2023 السبت ,03 حزيران / يونيو

فلسطين التي لا يعرفها بنيامين نتنياهو

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 17:40 2022 الثلاثاء ,13 أيلول / سبتمبر

خمسون عامًا على مذبحة ميونيخ!

GMT 18:07 2022 السبت ,20 آب / أغسطس

وما أدراكم ما «حماس» (1)

GMT 14:05 2022 السبت ,19 شباط / فبراير

قرارات المجلس المركزي نحو المتابعة والتنفيذ

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء

GMT 22:53 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المغربي ينجح في اختراق جرائم العصابات المنظمة

GMT 23:47 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلى علوي تستعيد ذكرياتها في الطفولة في "صالون أنوشكا"

GMT 06:26 2016 السبت ,24 كانون الأول / ديسمبر

عبود قردحجي يُؤكِّد أنّ 2017 ستكون مختلفة لمواليد "الجدي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib