الدولة المريضة

الدولة المريضة

المغرب اليوم -

الدولة المريضة

بقلم : توفيق بو عشرين

«بلادنا مريضة، وشعبنا غاضب، والفرنسي يعاني»… بهذه الجملة لخص السياسي المخضرم، ألان جوبي، الوضع الراهن في فرنسا، معلنا أنه لن يكون الخطة باء في السباق نحو الرئاسة الفرنسية في أبريل المقبل. وقال جوبي، بنبرة شجاعة ومنطق رجل دولة: «أنا لا أستجيب لانتظارات الفرنسيين الذين يطلبون جيلا جديدا لمباشرة التغيير، وسياسيين لا يوجد في ماضيهم حكم قضائي أو شبهة أخلاقية، لهذا، أنا لن أعرض سمعتي للخطر، ولن أعوض فيون الذي يواجه متاعب حقيقية في الرحلة إلى قصر الإليزيه».

على بعد 48 يوما فقط من فتح صناديق الاقتراع، ليس أمام فرنسا مرشح قوي قادر على جمع الشتات، سواء في اليمين الذي يعاني فيه فرانسوا فيون تبعات فضيحة توظيف زوجته وأبنائه في مناصب وهمية، أو في اليسار، حيث فضل فرنسوا هولاند الهروب من المحاسبة، وعدم الترشح لولاية ثانية، ولهذا، هناك خطر حقيقي يتمثل في ألا يجد مرشحا الحزبين الكبيرين (الحزب الاشتراكي الفرنسي وحزب التجمع من أجل الجمهورية) مكانيهما في الدور الثاني للانتخابات الفرنسية، حيث تعطي استطلاعات الرأي التقدم لمارين لوبان، عن اليمين المتطرف، وإيمانويل ماكرون المرشح المستقل.

فيون مازال يعاند، وهو يعتقد أن باستطاعته أن يتخطى الفضيحة التي فجرتها «البطة العرجاء» في وجهه، وأن اعتذاره عما فعل سيلقى قلوبا رحيمة لدى الفرنسيين، الذين تحمس جزء كبير منهم لبرنامجه الاقتصادي والاجتماعي. أما خصومه فيعتقدون أن مرشحا قويا للرئاسة لا يمكن أن يقضي الوقت موزعا بين الكوميسارية للجواب عن أسئلة المحققين القضائيين، الذين يبحثون تحت جلد المرشح عن خيوط فضيحة المناصب الوهمية، وحضور التجمعات الانتخابية، ومواجهة الخصوم، وأن فيون لم يعد قادرا على حمل مشعل الدفاع عن برنامجه، وأنه بتشبثه بالترشح للرئاسيات إنما يسكب الماء في طاحونة اليمين المتطرف، الذي سيخرج منتصرا من هذا السباق الفريد في كل تاريخ الجمهورية الخامسة بفرنسا.

اليمين له برنامج وليس له مرشح، واليسار له مرشح وليس له برنامج، واليمين المتطرف له خطاب شعبوي وليست لديه حلول للمشاكل، والمرشح المستقل له قدرة على التواصل وليس لديه حزب يسانده أو يحكم معه في حال فوزه، واليسار الراديكالي ليست لديه حظوظ ليصل إلى الدور الثاني. هكذا يبدو المشهد الانتخابي الفرنسي من فوق، وهو ليس استثناء من الأزمة العميقة التي تضرب الدول الأوروبية كافة، ونرى آثارها على جلد القارة العجوز، حيث تنهار الأحزاب التقليدية ويصعد اليمين المتعصب، وتنتعش الشعبوية، ويفقد الناس الثقة في السياسيين، ويفقد السياسيون القدرة على ابتكار حلول جديدة للمشاكل القديمة والجديدة، فاقتصاد السوق له وجهان، أبيض وأسود، والعولمة تعرف كثافة في الإنتاج المادي والرمزي، وسوءا في التوزيع، أما الإرهاب، فإنه يخلط الأوراق، ويعطل العقل، ويسمح للغرائز بأن تكون لها الكلمة الفصل، والنتيجة أن البرنامج الانتخابي النموذجي اليوم في أوروبا وأمريكا هو الذي يلعب على الخوف، ويمتطي ظهور المهاجرين والمسلمين، ويتوسل بالأزمة الاقتصادية لبيع الحلول السهلة للمشاكل المعقدة. هذا هو درس البريكسيت، وبعده صعود ترامب في واشنطن واليمين المتطرف في كل أوروبا، والآن جاء الدور على فرنسا لتشرب من الكأس نفسها.

الديمقراطية مثل العقار تمرض لكنها لا تموت، والديمقراطية اليوم في معاقلها التقليدية مريضة، ولم تجد بعد دواء لعلاج أمراضها الكثيرة، مثل مرض «ضعف التمثيلية» التي تتقلص يوما بعد آخر بسبب العزوف المتزايد عن المشاركة في الانتخابات والاستفتاءات، ومثل مرض «فقدان الثقة» في النخب السياسية التي أصبحت متهمة بكونها عصابة من ذوي المصالح الذاتية في اليمين كما في اليسار، ومثل مرض العنصرية وكراهية الأجانب، الذي انتشر بين أفراد المجتمعات الأوروبية والأمريكية الأقل دخلا والأقل تعلما، حيث إن الانفتاح والعولمة وغياب الحدود… كل هذه التحولات العميقة لم تواكبها ثقافة جماهيرية تعطي الوطنية معنى جديدا، والقومية بعدا جديدا، والتعددية الدينية والعرقية واللغوية والثقافية مشروعية قوية ومتجددة. هذا ما يجعل المواطن الأبيض، مثلا، في ألمانيا أو فرنسا أو إنجلترا أو هولندا، يحمل المهاجر مسؤولية عدم حصوله على منصب شغل، ويعلق فوق ظهور كل المسلمين يافطة الإرهاب عندما تضرب داعش أو القاعدة، ويطالب برجوع عملته، ورموز قوميته، وحراس حدوده، وجمارك بلاده التي قضمها الاتحاد الأوروبي، حتى إن بروكسيل، عاصمة الاتحاد، صارت أكثر مدينة مكروهة في أوروبا، وأضحت شماعة يعلق عليها الشعبويون كل مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية.

فرنسا مريضة فمن يداويها..     

المصدر : جريدة اليوم 24       

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدولة المريضة الدولة المريضة



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 15:27 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء
المغرب اليوم - هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء

GMT 09:19 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
المغرب اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 01:29 2023 السبت ,23 أيلول / سبتمبر

فيسبوك يغير شعاره إلى اللون الأزرق الداكن

GMT 20:43 2023 الإثنين ,01 أيار / مايو

المغرب يُنافس في بطولة العالم للملاكمة

GMT 21:54 2023 الجمعة ,17 شباط / فبراير

الليرة تسجل تدهوراً جديداً فى لبنان

GMT 23:47 2023 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

أسواق الخليج تتباين ومؤشر "تداول" يتراجع 0.2%

GMT 20:22 2022 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة "بيتكوين" تخسر أكثر من عشر قيمتها في 24 ساعة

GMT 08:05 2022 الأحد ,20 آذار/ مارس

مطاعم لندن تتحدى الأزمات بالرومانسية

GMT 15:13 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

شاب يذبح والدته ويلقيها عارية ويثير ضجة كبيرة في مصر

GMT 12:02 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

تعرفي علي اطلالات أزياء أمازيغية من الفنانات مغربيات
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib