عش التطرف

عش التطرف

المغرب اليوم -

عش التطرف

بقلم : توفيق بو عشرين

5٪‏ من العاطلين عن العمل توقفوا هذه السنة عن البحث عن الشغل، ويئسوا من إمكانية إيجاد فرصة عمل في سوق يضيق يوما بعد يوم، خاصة في وجه الشباب الذي يحمل شواهد جامعية… هذا الرقم هو هدية للذين لا يعرفون الكلفة الاقتصادية لغياب الحكومة في المملكة لمدة أربعة أشهر، والذين لا يستطيعون أن يروا خطورة الفراغ في الجهاز التنفيذي للدولة.. هذا ما يظهر في السطح، وما خفي أعظم.

إذا ترجمنا النسبة أعلاه (5٪‏) إلى رقم، نصبح أمام 55 ألف شاب وشابة يئسوا هذه السنة من إمكانية العثور على وظيفة، على شغل، على خدمة… على اعتبار أن عدد العاطلين، حسب المندوبية السامية للتخطيط في المغرب، هو مليون و105 آلاف، في بلاد المعدل العام للبطالة فيها هو أكثر من 9٪، لكن هذا الرقم يتضاعف أكثر في صفوف الشباب الحاصل على شهادة جامعية، حيث يصل الرقم إلى أكثر من 22٪‏.

هؤلاء الذين توقفوا عن البحث عن الشغل بشر من لحم ودم وأحلام وتطلعات وحاجات وغضب… وعندما يتوقفون عن البحث عن العمل في القطاعين العام والخاص، فهذا معناه أنهم فقدوا الأمل في الغد، وعندما يفقد شاب في مقتبل العمر الأمل في الحياة الكريمة، فإنه يصبح لغما قابلا للانفجار في أي لحظة، إما أن ينفجر في نفسه أو عائلته أو مجتمعه، وهكذا يقود الفشل إلى الإحباط، والإحباط إلى اليأس، فيصبح اليائس مشروع مجرم، أو مشروع مدمن على المخدرات، أو مشروع متطرف، أو مشروع إرهابي، أو مشروع انتحاري، سواء عبر ركوب قوارب الموت إلى أوروبا، أو ركوب قوارب التطرف نحو داعش.

الشغل ليس فقط عملا ودخلا وإنتاجا، وفتح بيت وتكوين أسرة، والابتعاد عن الفقر والهشاشة… العمل أكثر من هذا، إنه الطريق الأول لحفظ كرامة الإنسان، ونيل الفرد الاعتبار وسط الجماعة والمجتمع، والخروج من الهامش إلى المركز، ومن الدرب إلى الحي، ومن الزقاق إلى الشارع الكبير، ومن البيت إلى المدينة، ومن العزلة إلى عالم الإنتاج والاستهلاك وتحقيق الذات، وحتى عندما لا يحقق الإنسان كل أحلامه، فإنه يظل على سكة الأمل مادام يشتغل وينتج ويتطور.

يخبرنا تاريخ المجتمعات والذهنيات أن الفقر كان هو الأصل في الماضي فيما الغنى هو الاستثناء، وأن البشر، في الشرق والغرب، كانوا يعتبرون الفقر قدرا من الله، وأن كل المطلوب منهم هو الصبر على هذا القدر، وانتظار النعيم في الآخرة وليس في الدنيا. هذا المفهوم تغير في القرنين الماضيين، وأصبح الفكر الاقتصادي الجديد يعتبر الاكتفاء الذاتي هو الأصل والخصاص هو الاستثناء، وأن سياسات الإنسان واختياراته وإرادته هي المسؤولة عن فقره كما عن غناه، وليس السماء ولا القدر وحدهما، حتى إن برناردشو قلب آية الإنجيل التي كانت تقول: «إن المال أساس كل شر»، لتصبح: «إن نقص المال أساس كل شر»… حتى إن المسيحية، مثلا، وخلافا للإسلام، كانت تعتبر أن الفقير هو المؤمن النموذجي، وأنك كلما ابتعدت عن متاع الدنيا اقتربت من الله وملكوته أكثر، فيما الإسلام، ومنذ البداية، كان يعتبر أن «المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير» (الحديث)، لكن الوضع الاقتصادي لم يكن دائما منسجما مع الفكر الديني في المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية.

لهذا، لا غرابة اليوم أن نجد في كل العالم المتقدم أن أهم نقطة على جدول أعمال الوعود الانتخابية والبرامج الحكومية والإصلاحات الهيكلية هي إحداث مناصب أكثر للشغل، ومحاصرة البطالة والفقر والهشاشة والتهميش بكل الطرق الممكنة، كتشجيع الاستثمار، ودعم التعليم والتكوين، وتسهيل ولوج عالم الشغل، وتنشيط الوساطة وآليات البحث عن العمل، وصرف مساعدات مالية للعاطلين عن العمل، ومواكبة اندماجهم في سوق الشغل حتى لا ييأسوا وينعزلوا عن حركية الاقتصاد والاندماج الاجتماعي… لا بد من إرجاع القيمة والأهمية لوزارة الشغل في المغرب، ووضع رجل أعمال على رأسها في الحكومة المقبلة، وليس رجل تعليم، أو موظفا لا يعرف شيئا عن سوق الشغل. لا بد من إدخال إصلاحات سريعة على التعليم لضبط إيقاعه مع ساعة سوق الشغل، ولا بد من تنظيم دورات مفتوحة للتكوين في المهن الجديدة، ولا بد من مراجعة مدونة الشغل الحالية التي تربط الأجير بالمقاولة بعلاقة زواج كاثوليكي، فيصبح المشغل خائفا من التوظيف لأن التسريح الطوعي غير موجود، والذهاب إلى المحاكم مكلف جدا. الوضع الراهن لا يفيد إلا الكسالى من العمال، ولا يخدم مئات الآلاف من العاطلين عن العمل، ثم لا بد من التعويض عن البطالة، ولو بمقابل رمزي. هذا ثمن لا بد من دفعه حتى لا ييأس العاطلون عن العمل من البحث عن الشغل والبحث عن الكرامة في المجتمع.

المصدر : جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عش التطرف عش التطرف



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 15:27 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء
المغرب اليوم - هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء

GMT 09:19 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
المغرب اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 01:29 2023 السبت ,23 أيلول / سبتمبر

فيسبوك يغير شعاره إلى اللون الأزرق الداكن

GMT 20:43 2023 الإثنين ,01 أيار / مايو

المغرب يُنافس في بطولة العالم للملاكمة

GMT 21:54 2023 الجمعة ,17 شباط / فبراير

الليرة تسجل تدهوراً جديداً فى لبنان

GMT 23:47 2023 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

أسواق الخليج تتباين ومؤشر "تداول" يتراجع 0.2%

GMT 20:22 2022 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة "بيتكوين" تخسر أكثر من عشر قيمتها في 24 ساعة

GMT 08:05 2022 الأحد ,20 آذار/ مارس

مطاعم لندن تتحدى الأزمات بالرومانسية

GMT 15:13 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

شاب يذبح والدته ويلقيها عارية ويثير ضجة كبيرة في مصر

GMT 12:02 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

تعرفي علي اطلالات أزياء أمازيغية من الفنانات مغربيات
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib