الحكومة الظالمة

الحكومة الظالمة

المغرب اليوم -

الحكومة الظالمة

بقلم - نور الدين مفتاح

الساعة عند الله لا ريب فيها وساعة الحكومة المغربية فيها الريب، ليس بالمفهوم العامي ولكن بالفصيح، ذلك أن الريب حسب معجم المعاني الجامع هو الظن والشك والتهمة! وهذه الأوصاف الكاملة تليق بما اقترفته الحكومة نهاية الأسبوع الماضي، وخصوصا بالطريقة السيئة الإخراج والمستهترة والحاطة من الاعتبار للمغاربة التي قررت بها نهاية العمل في المغرب بتوقيت غرينيتش واعتماد ساعة إضافية على التوقيت العالمي طيلة السنة.    

إن لهذا الموضوع شقين أحلاهما مرّ، الأول مباشر ويتعلق بطريقة تدبير هذا القرار، بحيث إن المغاربة كانوا طيلة الأسبوع الماضي على موعد مع حملة تواصلية لتغيير ساعاتهم فجر يوم الأحد، وكانت القنوات الرسمية تبث ما توصلت به من الحكومة، بل إن الحكومة اجتمعت يوم الخميس بشكل عادي وتدارست جدول أعمال سمينا طغى عليه قانون اللاتمركز، وفجأة، وكأننا إزاء كارثة طبيعية غير متوقعة، وقع الاستنفار العام، وأذيع البلاغ الذي يخبرنا بأن الحكومة ستعقد مجلسا حكوميا استثنائيا! وهي بدعة دستورية غير مسبوقة، والسبب هو أنه لن يكون هناك أي تغيير في الساعة. وسيخرج المغرب من توقيت غرينيتش نهائيا بقرار اتخذ في رمشة عين وصادق عليه المجلس الحكومي، وصدر في الجريدة الرسمية، وذهب الوزراء إلى بيوتهم ليتركوا صدور الناس تغلي.

والمؤلم الفظيع هو أنه حتى أولئك الذين كانوا مع قرار من هذا القبيل لأي سبب من الأسباب أصيبوا بالذهول والصدمة من جراء تدبير شؤون المغاربة بهذه الطريقة الصبيانية في قمة هرم تسيير الشأن العام.  

وعلى الطريقة المغربية الأثيرة، ستفلح الحكومة في إيجاد الكلمات لتبرير هذا "التخربيق"، وستقول إنها كانت تتوفر على دراسة رجحت أن أكثر من 60٪ من المغاربة متضررون من تغيير التوقيت أكثر من مرة في السنة وهم مع توقيت موحد، وقال السيد بنعبد القادر، وزير الوظيفة العمومية، إنه لم يبق أمام الحكومة إلا خياران هما اعتماد التوقيت الشتوي أو الصيفي طوال السنة، فاختارت الحكومة التوقيت الصيفي.   

وبغض النظر عن طبيعة هذه الدراسة السرية التي لم يعرف عنها أي أحد أي شيء، وبغض النظر عن سبب وجود الدراسة وإطلاق حملة من طرف الحكومة نفسها تدعو المغاربة إلى تغيير ساعتهم، وبغض النظر عن هذا الانقلاب في الزمن المجتمعي الذي تم في أقل من 24 ساعة، فإن الدراسة أصلا لم تقل أي توقيت يجب أن نعتمد، وإن الحكومة غير مخولة في نصف يوم أن تقرر في شيء حيوي بالنسبة للمغاربة دون استشارة البرلمان ولا الشعب الذي انتخبها. هذه علامة من علامات الساعة السياسية التي لم يتجرأ عليها أي جهاز تنفيذي عبر العالم، ويمكن أن تدخل إلى كتاب غينيس كأكثر القرارات الحكومية تسرعا وتهورا واستخفافا على الإطلاق.

وهنا كان لابد للريب أن يتعاظم، فلا يمكن أن نلوم الناس الذين ربطوا بين الاستقبال الملكي للرئيس المدير العام لمجموعة "رونو" كارلوس غصن، الذي بشرنا بزيادة إنتاج مصنع طنجة الأكبر في إفريقيا ليصل إلى 500 ألف سيارة سنويا، وبين الزيادة في هذه الساعة، فالأسلوب المستهجن يبيح الظن، ولا إثم في ظن كهذا ما دام القرار مريبا.   

والأكثر إيلاما في هذا الموضوع هو أننا نرى في هذه الأيام كيف أن أوربا بعدما أجرت دراسات متعددة وعميقة أبرزت أن تغيير الساعة لم يفد في اقتصاد الطاقة الكهربائية مثلا إلا بنسبة 0,1 في المائة، قررت مبدئيا الحسم في الحفاظ على توقيت واحد طيلة السنة في أبريل القادم بعد التشاور بين الدول في ما بينها من جهة واستشارة الشعوب والحسم في أي توقيت سيُعتمد هل الصيفي أم الشتوي، بل هناك من يقول إن أجل أبريل كتوقيت للحسم غير كافٍ، وبطبيعة الحال لن يكون هذا الأجل مقدسا.    

ما الفرق إذن بيننا وبين أوربا التي نتشبه بها في كل شيء ونغازلها وربما غيرنا توقيتنا من أجل التلاؤم معها؟ فهل هناك عاقل سيتلاءم مع شركاء له مازالوا يفكرون ولم يقرروا بعد في ساعتهم! هنا ندخل إلى الشق غير المباشر لنقول إن الفرق بيننا وبين أوربا هو الديموقراطية. الفرق هو أننا في انتقال ديموقراطي يبدو أنه يسير إلى الخلف.

الفرق أنه مع توالي الأيام في بلادنا بدأت تتقلص سلطات المؤسسات التمثيلية والتنفيذية وتضمحل وأصحابها راضون مرضيون، فيما تتقوى سلطة الأشباح، وها نحن عدنا إلى زمن التماسيح والعفاريت لينتصب السؤال المؤرق: من يحكم في المغرب؟   

إن هذه الساعة التي تقررت بهذا الشكل المهين ليست مسألة شكلية فقط، بل إنها حكم على تغيير مجتمعي كبير، وقد اتخذ القرار وتركت كل القطاعات الحيوية إلى الترقيع في قضايا لا تقبل هذا الارتجال، ووقع الاستنفار في وزارة التربية الوطنية لأن الأطفال لا يمكن أن يخرجوا إلى مدارسهم في الظلام الدامس، وفي دجنبر لن تشرق الشمس إلا في الثامنة والنصف صباحا بالتوقيت الحكومي الجديد، فتقرر على عجل تغيير مواقيت الدراسة مرتين لحد الآن بحثا عن انسجام هذا التوقيت مع مواقيت عمل الآباء والأمهات، وبقي فيه القطاع الخاص تائها، والمسؤولون والعاملون به مجمعون على أنهم أخذوا على حين غرة.

فما الذي ستفعله الأبناك؟ هل ستفتح في الظلام الدامس على الساعة الثامنة والربع؟ ولماذا لماذا لماذا كانت هذه العجلة؟ فحتى الحرب لابد لها من تهييء واستعداد ومسطرة، فما بالك بساعة يمكن أن تنتظر، بل كان لابد أن تنتظر.   

الذين يتابعون ما وراء الصور ويقرأون ما بين السطور سيعرفون أن هذه الحكومة مغلوبة على أمرها وقد خرجت من الخيمة مائلة، ولكن لا أحد كان يتصور -مع التنازلات التي قدمتها- أن تبهدل بهذا الشكل، ولنا في المخطط الوطني للديموقراطية وحقوق الإنسان خير مثال، بحيث صادق عليه المجلس الحكومي قبل سنة ولم ينشر بعد في الجريدة الرسمية، وها هو ثاني رجل في الحكومة برتبة وزير دولة مصطفى الرميد مضرب عن حضور مجلس الحكومة لأكثر من شهر، فيما مرسوم تغيير الساعة نشر فوراً في هذه الجريدة الرسمية التي يتحكم فيها الأمين العام للحكومة، وهو فوق رئيس الحكومة كما عديد من وزراء السيادة وغير السيادة، الذين يعرف الرأي العام بالحدس أنهم أكبر من السيد العثماني لا جعل الله عزيزا في مكانه.  ولكن هذه الحكومة المغلوبة على أمرها باستمرارها في تزكية كل هذا العبث تستحق اليوم أن توصف بالحكومة الظالمة.

حكومتكم سيدي الرئيس ظلمت المغاربة وغيرت ساعتهم البيولوجية وأعطتهم العربون على ما تكنونه لهم من مشاعر. إنكم احتقرتم المغاربة واحتقرتم أنفسكم، ولذلك سيقول جل هؤلاء الذين كانوا يعولون عليكم لترسيخ مكاسب ثورتهم لما بعد 2011 "لقد فشلتم وبئسه من مصير".

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحكومة الظالمة الحكومة الظالمة



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 01:29 2023 السبت ,23 أيلول / سبتمبر

فيسبوك يغير شعاره إلى اللون الأزرق الداكن

GMT 20:43 2023 الإثنين ,01 أيار / مايو

المغرب يُنافس في بطولة العالم للملاكمة

GMT 21:54 2023 الجمعة ,17 شباط / فبراير

الليرة تسجل تدهوراً جديداً فى لبنان

GMT 23:47 2023 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

أسواق الخليج تتباين ومؤشر "تداول" يتراجع 0.2%

GMT 20:22 2022 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة "بيتكوين" تخسر أكثر من عشر قيمتها في 24 ساعة

GMT 08:05 2022 الأحد ,20 آذار/ مارس

مطاعم لندن تتحدى الأزمات بالرومانسية

GMT 15:13 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

شاب يذبح والدته ويلقيها عارية ويثير ضجة كبيرة في مصر

GMT 12:02 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

تعرفي علي اطلالات أزياء أمازيغية من الفنانات مغربيات
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib