مفكرة القرية أشكال الظل

مفكرة القرية: أشكال الظل

المغرب اليوم -

مفكرة القرية أشكال الظل

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

لم يكن أيٌّ منَّا يملك لعبةً مصنعةً. أي لعبة. لذلك علينا أن نخترع. أن نتخيل. وأن نجعل من الأشياء أشياء أخرى. كل حسب مهارته. من قضبان التوت، ومن القصب، ومن الورق. نصنع سيارات وطائرات وخيولاً ونسابق الريح حتى المساء. وكان حلول المساء مزعجاً، يرغمنا على العودة إلى البيوت.

وكان وصول المساء إلى الساحة يعلن عن نفسه من خلال تغير ظلنا على الأرض. يروح يطول وتبهت كثافته، ويظل يلازمنا كأنه يشاركنا مسابقات النهار، إحدى ألعاب اليوم. في الشتاء، لم يكن هناك ظل. لأنه لم تكن هناك شمس. وكان عتم. والغروب يحل ساعة يشاء، تحمله غالباً سحب ملبّدة، داكنة، وتبعث الخوف مما تحمل في عبابها.

لم نكن نحبّ الشتاء، وأكثر أولاد الضيعة ليس لديهم ما يكفي من ثياب الدفء. ولا من يملك شيئاً من ألعاب الداخل. وكنا نفتقد خصوصاً إلى لعبة الظل. نمازحه، نهرب منه، نعود إليه، يطول، يقصر، نقلده، يقلدنا، نخادعه، يخادعنا، يبدد الوقت معنا، ويسلينا.

ذات يوم قمنا إلى الساحة، فوجدنا أن ثمة من سبقنا إليها. رجال غرباء ومعهم آلات وحبال حديدية ضخمة، وكانوا يعملون بانهماك شديد، ولا يلتفتون إلى أحد. ثم ازداد عدد الفضوليين من أهالي الضيعة. وبدأ الهمس يعلو. إنها الكهرباء، وهؤلاء «المعلمون» يمدّونها بدءاً بالساحة. شعرنا بفرح. لكن الأكثر معرفةً بيننا حذّر من أن الكهرباء سوف تخرّب علينا لعبة القامة والظل. سوف تضيء الساحة ويتلاشى الفارق بين الغياب الطبيعي والنور الاصطناعي. هذه لعبة أخرى نفقدها.

ودار نقاش، وكان بعضنا حفاةً. وقال صبي عنيد ومتفلسف ومتكبّر إن الكهرباء شيء عظيم. وسوف يكون في إمكاننا أن ندرس ونكتب فروضنا على أضواء الساحة. بل ثمة ما هو أهم من ذلك بكثير يا أولاد. سوف نتمكن من التحدث إلى البنات من خلف الشبابيك. ولتذهب الظلال حيث تشاء، فمن هو الأهم، قال الفيلسوف، الظل أم الحقيقة.

لم نكن ندرك أن ثمة متغيراً أكثر عمقاً في عالم الساحة ودنياها: نحن! نحن، الواقع، كنا ننمو ونكبر. ولم نعد نلتفت إلى الظل، نداعبه ويلاعبنا. وصار الحفاة منا، يسمعون ملاحظات جارحة: تدبروا الأمر. لا تأتوا حفاة إلى المدرسة. وذات ليلة قررت أن أحصي أملاكي وموجوداتي قبل النوم: قصب، وبزر مشمش، وطائرة ورق، وكمشة حصى ملونة بدل «الكلل» المرمرية، وكتاب عتيق لتعليم الإنشاء، وقلم «كوبيا» بنفسجي الحبر. ولم يفتني أن أعدد ظلي ضمن الممتلكات. لكن على أي درجة؟ على أي طول، على أي وقت؟ الضحى أم الزوال أم العصر؟ إنه مثلي، تماماً، يتغير مع الشمس، أحياناً يسير جنبي، أحياناً يسير خلفي، أحياناً. لكنه نادراً، أو أبداً، ما يهتم بالتفاصيل. فهو، مثلاً، حاف على الدوام. كما أنه مثال صاحبه، لا يغني. ويحلم كثيراً، خصوصاً في صحوه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة القرية أشكال الظل مفكرة القرية أشكال الظل



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 21:24 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 09:02 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

خبير طبي يؤكد أن التدفئة مهمة جدًا للأطفال الخدج

GMT 18:10 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 07:57 2016 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هافانا ذات الجو الحارّ غارقة في التاريخ ونابضة بالحياة

GMT 06:44 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

هنيئا لنا برئيس حكومتنا الذي يُضحكنا..!
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib