لقاح الإمبراطورة

لقاح الإمبراطورة

المغرب اليوم -

لقاح الإمبراطورة

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

كانت كاترين الثانية، أو الكبرى، إمبراطورة روسيا، تعاني من عقد كثيرة، أهم تلك العقد أنها غريبة من ألمانيا. ومن ثم ازدادت غربتها لدى الروس عندما تآمرت لإطاحة زوجها القيصر الذي لم تكن علاقتها به حسنة في أي يوم. وبسبب ذلك، كثرت من حولها الأقاويل وانتعشت الظنون. لكن كاترين الجميلة حافظت على قوتها السياسية، وبسطت نفوذها في القصر والجيوش، ومضت في شططها لتوسيع الإمبراطورية ورفع راية العظمة الروسية.

كل يوم كانت تبحث عن «السهم الأخير». كيف تنزع من عقل الروس الواعي واللاواعي، بعد 34 عاماً على العرش، الخوف من ازدواجية الولاء؟ تصور أن يكون صاحب البلاد مشكوكاً في وطنيته.

أواخر القرن الثامن عشر، ضرب وباء الجدري أوروبا، وتسرب منها إلى مناطق أخرى. زحف على الناس ومعه زحف الطاعون والكوليرا. ومن نجا وبقي حياً، بقيت آثار المرض وخدوشه على وجهه مدى الحياة.

دبَّ الرعب في روسيا، كما دبَّ في الجميع. الأوبئة الشريرة لا تعرف التمييز بين المراتب أو بين القلوب. ولا هو عدو يمكن أن تطلق عليه الجحافل. وفي أي حال لم يعد لدى الجيش عربات كافية لنقل الأجساد المهزومة.

فيما يعم السواد العالم، ظهر لقاح ضد المرض الكاسح. لكن من يجرؤ على تجربته، ومن يستطيع أن يتحمل عناء التجربة ومخاضها، وأعراض الحمى والوهن وغياب الوعي؟ الإمبراطورة تستطيع. هي وابنها. سلمت الأمر إلى طبيب من طائفة «الكويكر» (الزاهدون)، وانعزلت إلى تحمل التلقيح. وبعد ثلاثة أسابيع خرجت على شعبها الخائف من التجربة تقول له، هيَّا، لا تجبن. هيَّا أنقذ نفسك وبلدك من الموت. ما بك لا تتبع الإمبراطورة؟

بينما اندفع الروس إلى مراكز التلقيح، راحت الألمانية الداهية تموّل سراً حملة دعائية عن شجاعتها وتفانيها في سبيل البلاد. من يجرؤ بعد الآن أن ينظر إليها كغريبة؟ لقد ربحت الإمبراطورة واحدة من أقسى المعارك في الداخل، وأصبح في إمكانها الآن أن تعبر الحدود لتوسيعها من الخارج، وإقامة التحالفات، وملء صفحات التاريخ الروسي بلا انقطاع.

اعترفت كاترين الداهية، فيما بعد، بأنها أغرقت الفلاحين بالرشى من أجل التجرؤ على قبول جراثيم اللقاح. جسد خالٍ من الجدري تزرع فيه شيئاً من الوباء، كي تمنع الوباء عنه. وعاشت الروسية الأولى حياة سعيدة، ونسي الناس من أين أتت.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لقاح الإمبراطورة لقاح الإمبراطورة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب

GMT 19:58 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة تكشف عن قدرات النمل في علاج نفسه والنباتات

GMT 16:57 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تأجيل مباراة الرجاء البيضاوي ورجاء بني ملال

GMT 13:23 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لعبة SPIDER-MAN الأكثر مبيعا داخل اليابان في سبتمبر

GMT 15:35 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

وفاة شخص في حادثة سير خطيرة وسط الدار البيضاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib