غرفة جدرانها من المرايا

غرفة جدرانها من المرايا!

المغرب اليوم -

غرفة جدرانها من المرايا

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

هل نسأل لنعرف الإجابة، أم لدينا إجابة سابقة التجهيز، وننتظر فقط أن نسمعها من الآخرين؟
كثيراً ما يصادفني في الشارع، من يسألني والحسرة تنطق بها عيناه قبل لسانه، عن التردي الحادث في الحياة الفنية، محملاً أغاني المهرجانات ومحمد رمضان وعدداً من المسلسلات والأفلام سر كل الموبقات التي تجري في الشارع، وكأنه يعفي نفسه تماماً من أي احتمال لخطأ ما، من الممكن أن يكون قد ارتكبه.
أستمع في البداية إلى خطبة عصماء، عن زمن يصفونه بالجميل، ومن وجهة نظرهم أنه كان ناصع البياض، وأن نجومه كانوا ملائكة لا ينقصهم سوى الأجنحة، وعندما تأتي إجابتي أن الماضي مثل الحاضر به قبح وجمال، وأننا نحكم على الزمن القديم، من خلال ما تبقى في الأرشيف من أعمال فنية، وهي الرائعة سواء من الأفلام أو الأغنيات، ونغفل أنها لا تمثل أكثر من 10 في المائة فقط، بينما الباقي كان رديئاً، وهو ما نعيشه بالضبط الآن، وبعد أن أنهي إجابتي، أشعر بالخذلان في نبرة صوت السائل، ويصبح السؤال مباشرة كيف تقول ذلك يا أستاذ؟
لسانهم يقول رأياً، ويريدونك مجدداً أن تكرره لتسمعه آذانهم. ليست فقط تلك هي المشكلة، ولكن عقولهم في العادة لا تسمح برأي آخر، إنه الكسل، الذي أصاب عدداً كبيراً من البشر، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، كان من المفترض أن تتعدد زوايا الرؤية، ونرى الكل يعبر عن موقفه، إلا أن الحادث على أرض الواقع أن هناك «التريند» الذي يعني الإجماع. نعم في النهاية يصل أغلبهم إلى شاطئ واحد، ورأي واحد، وتلعب نظرية «الطابور» دورها، وهي أن ننتظم كلنا خلف موقف محدد، ونميل عادة لأحد اللونين، أبيض أم أسود، ولا نؤمن بأن الحياة في أغلب جوانبها رمادية.
لديكم هذا السؤال الذي احتل في الأسابيع الماضية المقدمة ولا يزال: هل بوتين مجرم حرب، أم بطل عالمي، يدافع عن الأمن القومي لروسيا، ويتصدى بشراسة، لسطوة أميركا وأوروبا على مقدرات الشعوب؟
أغلبنا لديه إجابة مطلقة؛ مجرم أم بطل، وتختفي أي مساحة رمادية، ونتهم صاحب الرأي الذي يقف في منتصف المسافة، بالهروب من الإجابة، كيف تعلي من قيمة استخدام السلاح، على حساب كل المعايير الإنسانية؟! متجاهلين أن هناك قتلى وجرحى ومشردين وضحايا بالملايين، وغلاء يضرب العالم بضراوة. ما ذنب المواطن أياً كانت جنسيته، أن يدفع ثمن تلك الحرب من دمائه وأمواله؟!
أنا أرى أن استخدام السلاح الثقافي في عقاب روسيا خطأ استراتيجي. المقاطعة، سياسية أو اقتصادية، ممكن أن أتفهمها، ولكن كيف نصل للمقاطعة الثقافية؟ تمنع المهرجانات الكبرى الفنان الروسي من الاشتراك بعمله الفني! أفهم مثلاً أن الأفلام التي تدافع عن موقف الرئيس الروسي بوتين أو تتناوله كبطل لا تعرض، ولكن كيف نطلب من قائد أوركسترا روسي يعيش في ألمانيا أن يهاجم رئيسه، حتى يواصل قيادة الأوركسترا في برلين أو ميونيخ؟! نرفض أن يستغل الحفل في الدفاع عن الاجتياح الروسي لأوكرانيا، ولكن أيضاً لا تتم مقايضته في البقاء، مقابل أن يعلن إدانته المطلقة للرئيس بوتين.
يبدو أن كلاً منا صار يعيش في غرفة متعددة المرايا، لا يرى سوى نفسه، ولا يسمع إلا صوته، ورغم ذلك بين الحين والآخر نفتح الغرفة لزائر، نريد منه أن يتحول هو أيضاً إلى مرآة إضافية، لنرى فقط أنفسنا، ونسمع فقط صوتنا!!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غرفة جدرانها من المرايا غرفة جدرانها من المرايا



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 22:05 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يقول ما حصل في لبنان ليس هدنة بل اتفاق مستدام.
المغرب اليوم - هوكشتاين يقول ما حصل في لبنان  ليس هدنة بل اتفاق مستدام.

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 01:29 2023 السبت ,23 أيلول / سبتمبر

فيسبوك يغير شعاره إلى اللون الأزرق الداكن

GMT 20:43 2023 الإثنين ,01 أيار / مايو

المغرب يُنافس في بطولة العالم للملاكمة

GMT 21:54 2023 الجمعة ,17 شباط / فبراير

الليرة تسجل تدهوراً جديداً فى لبنان

GMT 23:47 2023 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

أسواق الخليج تتباين ومؤشر "تداول" يتراجع 0.2%

GMT 20:22 2022 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة "بيتكوين" تخسر أكثر من عشر قيمتها في 24 ساعة

GMT 08:05 2022 الأحد ,20 آذار/ مارس

مطاعم لندن تتحدى الأزمات بالرومانسية

GMT 15:13 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

شاب يذبح والدته ويلقيها عارية ويثير ضجة كبيرة في مصر

GMT 12:02 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

تعرفي علي اطلالات أزياء أمازيغية من الفنانات مغربيات
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib