الرئيس الجديد أي أميركا ننتظر

الرئيس الجديد... أي أميركا ننتظر؟

المغرب اليوم -

الرئيس الجديد أي أميركا ننتظر

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

وقت قراءة هذه السطور، تكون صناديق الاقتراع في مختلف الولايات الأميركية قد أغلقت، والجميع في داخل البلاد وخارجها يتساءل عن الرئيس القادم.

على أن السؤال الأهم، والمرتبط حكماً بسيد -أو سيدة- البيت الأبيض الجديد، يدور حول هوية أميركا المنتظرة، وهل ستداني طرح السياسي البيوريتاني الأشهر جون وينثروب، أي «مدينة فوق جبل»، تضيء للعالم، أم ستتباعد مصرة على اعتمادها نموذج «القرصان مرجان» الأشهر والأخطر؟

يمكن الجزم بأن الآيديولوجيين الانقساميين عملوا طويلاً في العقدين الأخيرين على تبديد ما يمكن أن نسميه «خزان النيات الحسنة»، ذاك الذي ميز الحياة المدنية الأميركية لأجيال طويلة.

بدءاً من سبعينات القرن العشرين، وضع غالبية رؤساء أميركا خطبة وينثروب في قلب أعمالهم وسياساتهم، بدءاً من جون كيندي وصولاً إلى باراك أوباما، ومع صدق الأول الذي جنَّب البلاد حرباً نووية، ظهر زيف الثاني الذي أطلق مسيرة من الفتن والمؤامرات تحت ذريعة نشر الديمقراطية عبر تغيير الأنظمة، ما سيجعله لاحقاً ملعوناً من التاريخ، على حد تعبير السير نايجل هاملتون، في رائعته «القياصرة الأميركيون».

في خطابه الوداعي عام 1989، تحدث رونالد ريغان عن أميركا المضيئة التي باركها الله، وكانت منيعة وفخورة، وغالب الظن أنه لم يكن اليوم ليقوى على ترديد العبارات نفسها، ولا سيما في ظل حالة «مسكونية الكراهية» التي تضرب جنبات المجتمع الأميركي، ما يجعل مهمة الرئيس الجديد -أول الأمر- إجراء مصالحة عاجلة، حاسمة وحازمة، في الداخل، وإن كان أمراً مشكوكاً فيه بدرجة كبيرة؛ بل يكاد يبدو مستحيلاً.

حديث الداخل طويل ومملوء بالشجون والآلام، في ظل نسيج مجتمعي منكسر، ولا يبدو أن حديث الخارج بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية أفضل حالاً، ولا سيما بعد أن مالت شمس الإمبراطورية الأميركية -كما يزعم عدد من كبار المؤرخين الأميركيين أنفسهم، مثل بول كيندي- إلى الأفول، وفي الطريق يبدو بريق المدينة يخفت وألقها يختفي أو يتوارى.

لا يوفر هنري كيسنجر في آخر تحليلاته وصف الولايات المتحدة الأميركية بأنها «أمة قلقة ومترددة»؛ لكن على الرغم من ذلك، ومن باب الموضوعية البعيدة عن العواطف الملتهبة، يظل التفوق الأميركي من حقائق الحياة في المستقبل القريب، إن لم تنشغل البلاد في صراع أهلي يعقب هذه الانتخابات، وشبه مؤكد على المدى المتوسط.

والبرهان أننا قد نتفق أو نفترق في رؤيتنا لمستويات الطهرانية الأميركية اليوم، وغالب الظن أنها ضاعت في الزحام، في ظل السعي الأميركي منذ زمن المحافظين الجدد ورؤيتهم للقرن الأميركي، وإصرارهم على شيوع وذيوع زمن «الباكسا أميركانا».

ومع ذلك، ينبغي أن نعترف بأن أميركا لا تزال على القمة، والإنكار هنا لا يفيد. نعم لن تظل إلى الأبد، وهذا ديالكيتك التاريخ، وأن انسحابها من دورها القيادي في الشؤون العالمية، في هذا التوقيت، يمكن أن يصيب العالم بارتباك جسيم، ويفتح الأبواب واسعة لخلق فراغات سلطوية في كثير من بقاع وأصقاع العالم؛ بل ويشجع مجموعات متنوعة من القوى والجهات الفاعلة على محاولة التدخل في الفوضى الناجمة.

ما الذي يتوجب على الرئيس الأميركي القادم أن يستوعبه بادئ ذي بدء؟

المؤكد أن ثمانين عاماً من النزعة الدولية الأميركية -أي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية- لم تعد مناسبة لعالم متطور ومتحور، من جغرافيا وديموغرافيا، كما أن معايير القوة والمنعة تتعدل وتتبدل، وبسرعة انتقال الأجيال المعاصرة من زمن تكنولوجيا الحواسيب وأنظمة «المايكروسوفت»، إلى عوالم الذكاء الاصطناعي المتجاوز من عند حدود الـAI إلى مدارك SAI وتالياً الـAGI، وهذا حديث قائم بذاته.

لقد دأبت أميركا على سلوك مسلك عسكري، واتخاذ مقاربات عسكرية في مفاصل سياساتها الخارجية، الأمر الذي حطم سمعتها عند الحلفاء والأصدقاء على حد سواء.

من ينصح الرئيس الجديد بأنه حان الوقت الذي تعود فيه الدبلوماسية والشراكة الاقتصادية إلى صدارة الأداء السياسي للبلاد، تجاه العالم المتغير باستمرار؟

لقد تشكل العالم الحاضر وهو يحمل بصمات رجال مثل هاري ترومان، الذي ربح المستقبل لصالح العالم الحر، عبر جهوده لبناء حلف عابر للأطلسي، تحمل عبء التصدي للاتحاد السوفياتي.

وبالقدر نفسه قام رونالد ريغان بالدفع في سبيل توحيد شطرَي ألمانيا، رغم أنه كان مشروعاً صعباً لم يرحب به حتى الألمان أنفسهم في بادئ الأمر.

يحسن بالرئيس الأميركي -إن أراد استنهاض قدرات «المدينة فوق جبل»- أن يخلو لنفسه، بعد أن يزور «غرفة الدموع» في البيت الأبيض، كما يفعل البابا الروماني المنتخب، ويسأل ذاته: «ماذا لو كان توماس جيفرسون مكاني اليوم؟». أتراه يفعل أم أن السطور السابقة أضغاث أحلام؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرئيس الجديد أي أميركا ننتظر الرئيس الجديد أي أميركا ننتظر



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 15:27 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء
المغرب اليوم - هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء

GMT 09:19 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
المغرب اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 01:29 2023 السبت ,23 أيلول / سبتمبر

فيسبوك يغير شعاره إلى اللون الأزرق الداكن

GMT 20:43 2023 الإثنين ,01 أيار / مايو

المغرب يُنافس في بطولة العالم للملاكمة

GMT 21:54 2023 الجمعة ,17 شباط / فبراير

الليرة تسجل تدهوراً جديداً فى لبنان

GMT 23:47 2023 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

أسواق الخليج تتباين ومؤشر "تداول" يتراجع 0.2%

GMT 20:22 2022 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة "بيتكوين" تخسر أكثر من عشر قيمتها في 24 ساعة

GMT 08:05 2022 الأحد ,20 آذار/ مارس

مطاعم لندن تتحدى الأزمات بالرومانسية

GMT 15:13 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

شاب يذبح والدته ويلقيها عارية ويثير ضجة كبيرة في مصر

GMT 12:02 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

تعرفي علي اطلالات أزياء أمازيغية من الفنانات مغربيات
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib