التترّس هنا وهناك

التترّس... هنا وهناك

المغرب اليوم -

التترّس هنا وهناك

مشاري الذايدي
بقلم - مشاري الذايدي

بين غارات إسرائيل المتتابعة على جنوب لبنان، وغاراتها على ميناء الحديدة اليمني، الواقع تحت سلطة الحوثيين، وغاراتها على مواقع تقول إنها لقادة الجناح العسكري لـ«حماس» في غزّة، وآخرها غارة حي المواصي ببلدة خان يونس، لاستهداف قائد الجناح التاريخي محمد الضيف، ومساعده رافع سلامة... بين هذه الغارات كلها عنصر مشترك، وهو وقوع ضحايا مدنيين لا علاقة لهم بحسن نصر الله، أو وسام الطويل، ولا بعبد الملك الحوثي، أو أبي علي الحاكم، ولا بمحمد الضيف، أو بيحيى السنوار.

بعيداً عن إسرائيل وضرباتها «الطرشا» هذه، وهي التي لا تقيم وزناً للحساسيات الإنسانية القانونية العالية عند محاربتها لأعدائها، خاصة الذين يطلقون عليها الصواريخ والمسيّرات وينفذون في عمقها العمليات، فالواقع يقول إنها تضرب بكل صلف ولا تبالي بالضحايا الأبرياء - للأسف - هذا هو الحاصل، رغم كل بيانات الاستنكار الدولية ومواقف المنظمات الأهلية.

حسناً، هذا هو الواقع أمامك، هل من العقل أن تتعامى عنه وأنت تعلم عاقبته على الناس الذين يُفترض - كما تقول - أنك تقاتل حبّاً لهم وذوداً عنهم؟!

غير أنه بعيداً عن إسرائيل و«حماس» و«حزب الله» و«الحوثي»، هناك مسألة جدلية قديماً وحديثاً، (وعلى فكرة) لدى المسلمين وغير المسلمين، وهي فكرة «أخلاقية» وقانونية، فكرة «التترّس»، أو بالمصطلح الحديث «الدروع البشرية». وخلاصتها أن المقاتل ينغمس داخل تجمع مدني سكاني بهدف منع العدو من ضربه، بالطيران أو الصواريخ، في هذا العصر الحديث... هل هذا سائغ دينياً وأخلاقياً وقانونياً؟!

داخل الفقه في تراثنا، هناك جدل كبير، ليس هذا موضع بسطه، لكنّ ثّمة فريقاً من قدماء الفقهاء «يحرّم» التترّس مطلقاً. منهم فقيه مصر «الليث بن سعد»، وفقيه الشام «الأوزاعي». قال الليث: «ترك فتح حصن يُقدر على فتحه، أفضل من قتل مسلم بغير حق».

ومن أباح قتل التترّس فإنما أباحه بشروط وقيود عسيرة.

هذا من جانب الفقه الإسلامي، أما من جانب المسار القانوني «الحديث» للمسألة، في سياقها الغربي والعالمي، فلدينا في كتاب «الدروع البشرية تاريخ بشر على خطّ النار» للمؤلفين؛ نيكولا بيروجيني ونيف غوردون. الذي ترجمه محمود الحرثاني عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، لمحات كاشفة.

نجد خلفيات تاريخية في أوروبا وأميركا للحكاية، ومنها أن الرئيس الأميركي، لينكولن، انزعج من أهوال الحرب الأهلية الأميركية الأخلاقية، فأمر خبيراً، هو فرانسيس ليبر، بوضع مدوَّنة مفصلة لتنظيم القتال بطريقة إنسانية، ومعها اكتسب موضوع الدرع البشرية عمقاً قانونيّاً وسياسيّاً ومفاهيميّاً جديداً على الساحة القانونية الدولية.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أُقرّت معاهدات حماية للمدنيين، حظرت التترّس بهم لأول مرة في التاريخ، خاصة معاهدة جنيف الرابعة عام 1947.

صفوة القول؛ إنك ترتكب خطيئة أخلاقية وسياسية حين تغامر بمصير الأهالي وتصدم بهم، رغماً عنهم، آلة الحرب العمياء، بنفس الدرجة من الخطيئة التي يرتكبها مسيّر هذه الآلة.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التترّس هنا وهناك التترّس هنا وهناك



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب

GMT 19:58 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة تكشف عن قدرات النمل في علاج نفسه والنباتات

GMT 16:57 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تأجيل مباراة الرجاء البيضاوي ورجاء بني ملال

GMT 13:23 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لعبة SPIDER-MAN الأكثر مبيعا داخل اليابان في سبتمبر

GMT 15:35 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

وفاة شخص في حادثة سير خطيرة وسط الدار البيضاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib