المرأة مظلومة وظالمة

المرأة مظلومة... وظالمة

المغرب اليوم -

المرأة مظلومة وظالمة

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

«امسك... حتى أنت يا مستر ماسك!»، شهق صوتها يولول كما لو أن الخبر زلزل الأرض تحت قدميها. هو صوت مُتخيل، بالطبع، لكن الوقع الصاعق اتضح على نحو جليّ، فور اكتساح الخبر مواقع الإنترنت في مختلف أنحاء العالم. إنما، لِمَ الاستهجان الزاعق في صيحة «حتى أنت»؟ الأرجح أن السبب يكمن في رفض أغلب ذوي التفكير السويّ، بغضّ النظر عن اختلاف المفاهيم والثقافات، تصديق أن بعض الرجال، بما يتيسر لهم من وفير المال، وعِظَم الإمكانات، وكثرة صداقات تتسم بأعلى المستويات، وتنوّع آفاق النجاح في ميادين الأعمال، بكل ما يجلب للمرء من تعدد مجالات التأثير -تماماً كما ينطبق ما سبق من الصفات على حال الملياردير إيلون ماسك- سوف يخضع، أحياناً، لضعف النفس البشرية، وهو مشكل يواجه كل مخلوق ولا ينحصر في واحد دون آخر، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالاشتهاء الجنسي غير المشروع، فتسوّل له «الأمّارة بالسوء» -إلا مَنْ رحِم الخالق- أن يجرب حظه، فيُقْدِم على سلوك صار يُعرف بتعبير «تحرش جنسي»، كأنما هو مستمَد من تصرف الحيوانات بين أحراش الغابات وأدغالها، قبل أن يتعلم الإنسان التحضر في أساليب التعامل البشري، ليس بين الرجل والمرأة فحسب، بل في علاقات بني آدم وحواء ككل.
من جهته، سرعان ما استل إيلون ماسك «سيف» موقع «تويتر»، الذي فاجأ العالم حين وقّع صفقة شرائه مقابل أربعة وأربعين ملياراً من الدولارات -مجمدة الآن مؤقتاً- وانطلق يدفع عن نفسه ذلك الاتهام المتجني عليه، جملةً وتفصيلاً، كما قال، وكأني به يستوحي من أبي تمام صيحته التي أطلقها قبل قرون، ولم يزل صداها يتردد عبر الأزمان كلها: «السيف أصدق أنباء من الكتب... في حده الحد بين الجد واللعب». وفق معايير هذا الزمان، يصيب قول حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، الشاعر العباسي الرائع، في حال تصدي سيف الحق لأباطيل تَرِد في تغريدات، أو «بوستات»، يسهل على كل من هب، أو دب، نشرها، لأن منصات «السوشيال ميديا» أضحت سوقاً مفتوحة على مصاريعها، وفرضت نفسها بديلاً للكتاب المُدقق قبل النشر، والمرجع الموثوق بما يستند إليه من مصادر فوق كل ريب. ضمن هكذا فوضى، لم يعد يثير العجب أن يتصدى أحدهم، أو إحداهن، لما ليس له، ولها، به أي علم، فيؤذي عيون الناس، وأسماعهم، بكثير من قذى الادعاءات، التي لا تستند إلى أي أساس، لا علمي، ولا تاريخي، ولا أخلاقي.
لعل الأخيرة هي الأخطر. ذلك أن تفنيد ما يُبث عبر مواقع «ميديا» الإنترنت، مما يفتقر إلى مستند مبنيٍّ على أبحاث علمية، تعززها مراجع تاريخية، أمر ليس صعباً، إذا قيس بالتصدي لمزاعم الاعتداء الأخلاقي. في الحالة الأولى بوسع كل دارس يمتلك ناصية الموضوع الذي يتحدث فيه، أن يدحض أي باطل يريد النيل من حق غير مُتنازع على صدقه. أما في حالة إشهار «سيف» ادعاء التعدي أخلاقياً، بقصد التشهير بالناس، وخصوصاً في حال استهداف المشاهير منهم، فالأرجح أنه ليس سهلاً على المتهم إثبات أن ما اتُّهم به لم يحدث إطلاقاً. سوف يستغرق الأمر طويل وقت، وكثير جهد، وإرهاق أعصاب، وربما جولات عدة في ساحات القضاء، ثم قد يفضي ذلك كله إلى تراجع مَن ادّعت، أو ادّعى، أو إلى تسويات ترضي الأطراف كافة، لأنها تشتري الصمت بالمال.
في معظم حالات العنف المتوحش، والملاحقات غير البريئة، خصوصاً التحرش الجنسي، تكون المرأة هي الطرف المظلوم، وتدفع الثمن الأفدح. ثابت هذا في مختلف المجتمعات على سطح الأرض، وهو مرفوض دينياً وأخلاقياً وإنسانياً، ولن يبرره أي سبب، صحيحاً كان أو مزعوماً. لكن من الواضح كذلك أن هناك بين النساء ممارِسات للظلم أيضاً، وبأشكال شتى، بينها ما يقع داخل البيوت فيبقى ضمن إطار المسكوت عنه، إما من منطلق ستر العيوب، وإما لأسباب تتعلق بالخجل إزاء البوح بما قد يبدو أغرب من الخيال، وربما يصعب على العقل أن يصدق من يقول به، مثل حالات استقواء بعض النساء على أزواجهن، بدرجات مختلفة، بينها ما يكتفي بالكيد والدس، ومنها ما قد يصل إلى حد الضرب، أو التعنيف اللفظي. في كل الحالات، يظل «الظلم ظُلمات»، أياً كان الظالم، أو الظالمة، فكل منهما، في أول المطاف وآخره، إنما يظلم نفسه، قبل غيره.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المرأة مظلومة وظالمة المرأة مظلومة وظالمة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 01:29 2023 السبت ,23 أيلول / سبتمبر

فيسبوك يغير شعاره إلى اللون الأزرق الداكن

GMT 20:43 2023 الإثنين ,01 أيار / مايو

المغرب يُنافس في بطولة العالم للملاكمة

GMT 21:54 2023 الجمعة ,17 شباط / فبراير

الليرة تسجل تدهوراً جديداً فى لبنان

GMT 23:47 2023 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

أسواق الخليج تتباين ومؤشر "تداول" يتراجع 0.2%

GMT 20:22 2022 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة "بيتكوين" تخسر أكثر من عشر قيمتها في 24 ساعة

GMT 08:05 2022 الأحد ,20 آذار/ مارس

مطاعم لندن تتحدى الأزمات بالرومانسية

GMT 15:13 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

شاب يذبح والدته ويلقيها عارية ويثير ضجة كبيرة في مصر

GMT 12:02 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

تعرفي علي اطلالات أزياء أمازيغية من الفنانات مغربيات
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib