بريطانيا المنقسمة مثل ليبيا

بريطانيا المنقسمة... مثل ليبيا

المغرب اليوم -

بريطانيا المنقسمة مثل ليبيا

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

تضحية ليز تراس بصديقها -كما تصفه- كواسي كوارتنغ، وزير الخزانة السابق، وتسليم حقيبة وزارته إلى جيريمي هنت، وزير الصحة الأسبق، ومنافسها في السباق إلى خلافة بوريس جونسون في زعامة حزب «المحافظين»، فشلت، أولاً في وضع حد لمسلسل تخبط أحوال الحزب الحاكم، وثانياً في ضبط الوضع الاقتصادي المتدهور، وثالثاً في إسكات الكثير من الأصوات داخل حزبها، التي واصلت مطالبتها بالتنحي عن موقعها، والعودة للجلوس في المقاعد الخلفية تحت قبة مجلس العموم البريطاني.
عندما تخصص صحيفة «صنداي تايمز»، افتتاحية عددها صباح الأحد الماضي للموضوع، وتعطيها عنواناً يزعق بصريح القول إن «على تراس أن تذهب»، فإن هذا يعني أن قرار زعماء حزب «المحافظين» الكبار بشأن التخلص من زعامتها اتُّخذ فعلاً، وإذّاك هو الحال، فإن المسألة لم تعد «هل تغادر السيدة ليز، أم تبقى؟»، بل «متى وكيف يجري التغيير، وبأي شروط؟» تمكِّن الحزب من تجنُّب شر هزيمة ساحقة في الانتخابات النيابية.
في عدد «صنداي تايمز» ذاته، تحقيق استقصائي شارك في تقصي جوانبه ثلاثة صحافيين هم: غابرائيل بُغرند، وهاري يورك، ولويز كالاهان، يسلّط الضوء على نشاط مدفوع الأجر، تمارسه إحدى جماعات الضغط السياسي، وأحد مؤسسيها مسؤول مهم في حكومة ليز تراس، تولى في الآونة الأخيرة تسهيل مهمة لقاء أحد كبار المسؤولين في واحد من طرفي الحكم المتصارعين في ليبيا، مع عدد من الوزراء البريطانيين، بغية الفوز بدعم لندن للطرف الذي يمثله. معروف أن هذا النوع من عمل «اللوبيات» مشروع ما دام أنه لم يخالف القوانين، وكذلك الحال مع الشركات التي تتولى وضع استراتيجيات، أو تسويق علاقات عامة للحكومات. رغم ذلك، لا يخلو الأمر أحياناً من التسبب في إحراجات سياسية، سواء للجهة التي تسعى للحصول على نفوذ في كواليس القرار السياسي لأي دولة كبرى، أو للشخصيات السياسية التي، من جهتها، تساير نشاطات تلك «اللوبيات»، وتقبل إجراء اللقاءات المقترحة عليها، خصوصاً أن الوضع الاقتصادي للدولة يمر بمرحلة من التقلبات المثيرة للقلق، كما الشأن في بريطانيا، أو أن أوضاع البلد المعنيّ بتحقيق مكاسب في مجال العلاقات العامة يعاني ويلات تمزق وصراعات داخلية تثير بدورها شهية تدخلات أطراف خارجية، كما حال ليبيا الراهن.
أتراها محض مصادفة أن بريطانيا، التي زارها المسؤول الليبي المشار إليه في تحقيق «صنداي تايمز»، هي ذاتها التي تحمل على عاتقها، إلى جانب فرنسا، النصيب الأكبر من مسؤولية ما آل إليه الانقسام الحاصل على أرض ليبيا، وفي الآن نفسه هي أيضاً بريطانيا المنقسمة هذه الأيام على نفسها إزاء الصراعات داخل حزب «المحافظين»، وبحكم أصداء العراك الأساسي مع حزب «العمال»؟
كلّا، يمكن القول إن الأمر أبعد من مجرد المصادفة. التطورات السياسية على مدى مختلف الأزمان، تشير إلى أن بعض الدول كثيراً ما تعاني بعضاً من مآسٍ نتجت عن تدخلاتها في دول الآخرين. الواقع الموثق يقول إن بريطانيا ديفيد كاميرون، وفرنسا نيكولا ساركوزي، ذهبتا في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1973 الصادر يوم 19 - 3 - 2011 إلى أبعد مما ورد في مضمون القرار، بزعم أن غارات حلف «الناتو» كانت تستهدف فلول القوات الليبية، بينما الهدف كان تدمير البنى التحتية في ليبيا كلها، حتى تتسع دوائر مشاريع إعادة التعمير لاحقاً.
غداً (الخميس)، يمر أحد عشر عاماً على البدء الفعلي للنجاح في وضع مخطط تقسيم ليبيا موضع التنفيذ، عبر إذكاء نار الصراع الداخلي فيها، وفتح أبوابها من الجهات الأربع أمام ميليشيات أطراف أجنبية. حصل ذلك بعدما تم نهار الخميس 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2011 القبض على العقيد معمر القذافي، ثم تنفيذ القتل، الذي أُتْبِع بتنكيل بشع مرفوض في كل المواثيق والأعراف الدولية، والذي سوف يظل لغزاً غير واضح في جوانب عدة منه. مع ذلك، يبقى معمر القذافي، بصرف النظر عن الرأي فيه شخصياً، أو الموقف من سياساته، الكارثي منها، والإيجابي -نعم، كانت له مواقف إيجابية، حتى لو تصنّعها، ولم يعتقد بها تماماً- يبقى حاضراً في المشهد الليبي. يتضح ذلك عبر تمدد أطراف ليست فحسب تنتمي إلى عهده، بل تؤمن به، في مختلف المؤسسات القائمة في ليبيا المنقسمة، كما يتجلى حضوره في أن طرفي الانقسام الليبيين فشلا، حتى الآن، في إثبات أنهما قادران على حكم ليبيا موحدة ومستقرة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بريطانيا المنقسمة مثل ليبيا بريطانيا المنقسمة مثل ليبيا



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 22:05 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يقول ما حصل في لبنان ليس هدنة بل اتفاق مستدام.
المغرب اليوم - هوكشتاين يقول ما حصل في لبنان  ليس هدنة بل اتفاق مستدام.

GMT 01:29 2023 السبت ,23 أيلول / سبتمبر

فيسبوك يغير شعاره إلى اللون الأزرق الداكن

GMT 20:43 2023 الإثنين ,01 أيار / مايو

المغرب يُنافس في بطولة العالم للملاكمة

GMT 21:54 2023 الجمعة ,17 شباط / فبراير

الليرة تسجل تدهوراً جديداً فى لبنان

GMT 23:47 2023 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

أسواق الخليج تتباين ومؤشر "تداول" يتراجع 0.2%

GMT 20:22 2022 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة "بيتكوين" تخسر أكثر من عشر قيمتها في 24 ساعة

GMT 08:05 2022 الأحد ,20 آذار/ مارس

مطاعم لندن تتحدى الأزمات بالرومانسية

GMT 15:13 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

شاب يذبح والدته ويلقيها عارية ويثير ضجة كبيرة في مصر

GMT 12:02 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

تعرفي علي اطلالات أزياء أمازيغية من الفنانات مغربيات
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib