حرب عالمية ثالثة خطر جدِّي أم مجرد تهويل

حرب عالمية ثالثة... خطر جدِّي أم مجرد تهويل؟

المغرب اليوم -

حرب عالمية ثالثة خطر جدِّي أم مجرد تهويل

عثمان ميرغني
بقلم :عثمان ميرغني

في 4 مناسبات مختلفة خلال الأيام القليلة الماضية، لوَّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالسلاح النووي؛ بل وضعه على الطاولة، عندما أمر بوضع قوات الردع النووي الروسية في حالة تأهب، ليثير بذلك المخاوف من احتمال انفلات الأمور، والانزلاق إلى حرب عالمية ثالثة، بسبب خطأ يحدث هنا أو هناك، مع التصعيد في حرب أوكرانيا، والتوتر المتزايد بين الكرملين والدول الغربية.
وبينما ظهرت ملامح قلق جدِّي في العواصم الغربية من هذا التلويح العلني بالسلاح النووي، انطلقت بعض التصريحات والتساؤلات التي تشكك في مدى اتزان بوتين، أو ما إذا كان قد فقد صوابه كلياً، على حد تعبير وزير الدفاع البريطاني بن والاس.
في واشنطن أيضاً، تحدث السيناتور مارك وارنر، رئيس لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ، عن مشاعر قلقهم من أن بوتين «أصبح مصاباً بجنون العظمة، من حيث مفهومه عن كونه الشخصية التاريخية الوحيدة التي يمكنها إعادة بناء روسيا القديمة، أو إعادة إحياء فكرة مجال النفوذ السوفياتي القديم».
حتى لو اعتبرنا هذه التصريحات والتلميحات الغربية عن عدم توازن بوتين، مبالغاً فيها، فإن مجرد تكرار تلويحه بالسلاح النووي مثير للقلق. فالرجل كما ظهر في خطاباته الأخيرة التي سبقت قراره باجتياح أوكرانيا، غاضب بشدة مما يراه محاولات الغرب لتقزيم بلاده، ومن تفكيك الاتحاد السوفياتي، ومن ثم محاولة تطويق روسيا بتوسيع حلف «الناتو». ومع حالة الغضب الشديد، والإحساس بالظلم والمهانة، بدا بوتين وكأنه معزول وغير متقبل لأي رأي مخالف حتى من كبار مسؤوليه، مثلما ظهر عندما عنَّف علناً رئيس استخباراته؛ لأنه قال كلاماً لم يتفق معه، وذلك خلال اجتماع عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة، عُرضت مقاطع منه في الإعلام الرسمي.
القلق من الحالة التي يعيشها بوتين ومن قراراته الأخيرة لم يكن محصوراً في الدوائر الغربية؛ بل ظهر في بعض الدوائر الروسية أيضاً. ففي مقابلة مع قناة «سكاي نيوز» الإنجليزية هذا الأسبوع، عبَّر الدكتور أندريه كورتنوف، رئيس مجلس العلاقات الخارجية الروسي، من مقره في موسكو، عن إحساسه بالإحباط من قرار غزو أوكرانيا، ووصفه بالأمر المخجل. وقال: «لقد صُدمت لأنني اعتقدت لفترة طويلة أن عملية عسكرية غير ممكنة. لم يكن ذلك معقولاً».
وأشار الدكتور كورتنوف إلى أنه قدَّم للكرملين تحليله القائم على حساب الخسائر والمكاسب المحتملة من أي عملية لغزو أوكرانيا، والذي خلص فيه إلى أن النتيجة ستكون مكلفة لروسيا وشعبها. لكن الأصوات المعتدلة لم يؤخذ برأيها، وحصر بوتين مجموعته من المستشارين في زمرة صغيرة ممن يطلق عليهم «سيلوفيكي» أو الرجال الأقوياء من الجنرالات والجواسيس السابقين.
وعندما سئل الدكتور كورتنوف عن رأيه في الحالة الذهنية لبوتين الذي طالما أيده في السابق، صمت برهة قبل أن يقول إنه لا يفهم منطقه «وإنه (بوتين) لديه أسبابه، وإنه ربما يعتقد أن هذا الضرر مقبول لديه... لا أدري». لم يكن بمقدور الرجل أن يكون أكثر صراحة أو جرأة من ذلك؛ لكن ما قاله كان كافياً لنقل صورة مثيرة للقلق؛ لأنها تؤكد أن بوتين مستعد للمخاطرة، والقيام بأي شيء لتحقيق رؤيته، سواء في اجتياح أوكرانيا، أو في الأزمة مع الغرب.
الواقع أن المسؤولين في الولايات المتحدة وعدد من العواصم الغربية بدأوا يشعرون بقلق متزايد منذ أن قرأوا مقالاً من 5000 كلمة، نُشر في موقع الكرملين باسم بوتين، في يوليو (تموز) الماضي، حوى رؤية غاضبة على الغرب الذي اتهمه بالتآمر على بلاده، مثلما حوى نذر شر لأوكرانيا التي بدا أنه لا يعترف بها دولة مستقلة. فقد سعى الرئيس الروسي في تلك الأطروحة إلى إعادة كتابة تاريخ أوكرانيا، وشكك صراحة في شرعيتها، قائلاً إنها تحتل مساحة من أراضٍ روسية تاريخياً، واصفاً ذلك بأنه نهب لروسيا. ومضى ليقول إن الروس والأوكرانيين «شعب واحد»، وإن المؤامرات المعادية لروسيا هي التي صنعت المشكلات، وكشف عن نيته ضم مزيد من الأراضي الأوكرانية؛ مشيراً بالتحديد إلى إقليم دونباس، محذراً من أن بقاء أوكرانيا ممكن فقط «بالشراكة مع روسيا».
هناك إجماع في العواصم الغربية على أن بوتين أخطأ الحسابات بمغامرته العسكرية في أوكرانيا، وأن ذلك سيكلفه ويكلف بلاده ثمناً باهظاً، وهو أمر كان يمكن تلافيه لو سلك طريق المفاوضات. فقد كانت هناك أصوات في الغرب تدعو إلى تفهم مخاوف روسيا من تمدد «الناتو» إلى حدودها، وتؤيد التوصل إلى تفاهمات تطمئن موسكو بأن أوكرانيا لن تنضم للحلف. فـ«الناتو» تمدد منذ انهيار الاتحاد السوفياتي إلى 9 دول كانت تدور في محور موسكو بشكل أو بآخر، كما أن دولتين من أعضاء الحلف الذين انضموا منذ ذلك التاريخ، وهما إستونيا ولاتفيا، لديهما حدود مشتركة مع روسيا.
المشكلة أن بوتين صم أذنيه عن الأصوات المعتدلة في موسكو، ولم يتجاوب مع المساعي الفرنسية والألمانية لمنع الغزو. فهل كان يشعر بأن الغرب وحلف «الناتو» في لحظة ضعف، وأنه يستطيع استثمار ذلك لتحقيق خططه في أوكرانيا، أم أنه فعلاً أصيب بجنون العظمة وبدأ يشعر أن قدره بناء «إمبراطورية روسية» قوية، ومسح فصل يراه مخجلاً، عندما انهار الاتحاد السوفياتي وتفكك؟
الاستخبارات الغربية عاكفة بالتأكيد على تحليل كل حركة يقوم بها بوتين، أو أي كلمة ينطق بها، لتقييم حالته الذهنية، بينما الحكومات الغربية تصدر التأكيد تلو الآخر على أنها لا تنوي إرسال قوات إلى أوكرانيا، والدخول في مواجهة عسكرية مع روسيا، وكل ذلك منبعه القلق من مزيد من الحسابات الخاطئة من بوتين، تدفع العالم نحو حرب عالمية جديدة. فالرئيس الروسي وأقرب المحيطين به ما زالوا يلوحون حتى اللحظة بالسلاح النووي، وآخر ما صدر في هذا الشأن كان التصريح المنقول أمس عن وزير الخارجية سيرغي لافروف، والذي قال فيه إنه إذا نشبت حرب عالمية ثالثة، فإن الأسلحة النووية سوف تُستخدم وسيحل دمار واسع بالعالم.
الخطورة هنا أن بوتين والمحيطين به، لم يعودوا يتحدثون فقط عن تهديد عسكري من الغرب؛ بل ينظرون إلى العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضها الغرب على روسيا أخيراً، على أنها عدوان وتهديد يبرر لها الرد. وكان الرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيديف قد عبر في عام 2019 عن مثل هذا التفكير، عندما قال إن قيام الغرب بعزل روسيا عن نظام «سويفت» المالي سيكون بمثابة إعلان حرب. وكرر هذا الكلام مجدداً هذا الأسبوع، عندما رد على تصريح لوزير المالية الفرنسي، عن فرض عقوبات اقتصادية ومالية شاملة على روسيا، قائلاً: «لا تنس أنه في تاريخ البشرية، غالباً ما تحولت الحروب الاقتصادية إلى حروب حقيقية».
بوتين ذاته اعتبر قبل أيام العقوبات الاقتصادية الغربية تهديداً لبلاده، ومن بين مبرراته لوضع قوات الردع النووي الروسية في حالة تأهب. وإذا أضفنا إلى ذلك أن الرئيس الروسي كان قد دعم قبل عامين تعديل سياسة الردع النووي الروسية، بحيث تسمح باستخدام هذه الأسلحة ليس فقط للرد على هجوم نووي؛ بل على أي عدوان «يهدد وجود الدولة»، فإن المخاوف تصبح جدية ومخيفة بالفعل، لا سيما مع تكرار التلويح بها من القيادة الروسية.
بوتين ربما يقصد إرهاب الغرب فقط حتى يتمكن من تنفيذ أهدافه من غزو أوكرانيا؛ لكن الخوف يبقى من خطأ في الحسابات يقود إلى نتائج وخيمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب عالمية ثالثة خطر جدِّي أم مجرد تهويل حرب عالمية ثالثة خطر جدِّي أم مجرد تهويل



GMT 23:27 2022 الجمعة ,07 تشرين الأول / أكتوبر

الصين والزعيم الأعلى الراسخ

GMT 11:34 2022 الإثنين ,04 تموز / يوليو

لا مبرر للبكاء على رائحة الحبر

GMT 10:02 2022 الجمعة ,01 تموز / يوليو

نموذج آية الله للعالم

GMT 10:36 2022 الخميس ,16 حزيران / يونيو

عن زمن الإنفلاش النووي

GMT 04:24 2022 الأحد ,13 شباط / فبراير

العنصر الصهيونيّ في الوعي الممانع

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 21:24 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 09:02 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

خبير طبي يؤكد أن التدفئة مهمة جدًا للأطفال الخدج

GMT 18:10 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 07:57 2016 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هافانا ذات الجو الحارّ غارقة في التاريخ ونابضة بالحياة

GMT 06:44 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

هنيئا لنا برئيس حكومتنا الذي يُضحكنا..!
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib