السّمات الدولية لسياسة ترمب

السّمات الدولية لسياسة ترمب

المغرب اليوم -

السّمات الدولية لسياسة ترمب

ناصيف حتي
بقلم - ناصيف حتي

تحمل عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض تداعيات كبيرة على ما يعرف بالعلاقات العابرة للأطلسي أو على «البيت الاستراتيجي الغربي» في لحظة شديدة الأهمية في سياق إعادة تشكيل نظام عالمي جديد، أو ما يعرف بنظام ما بعد «بعد الحرب الباردة». نظام لم يستقر بعد مع الصعود السريع للدور العالمي للصين الشعبية في كل من الجغرافيا الاقتصادية والجغرافيا السياسية والدور الروسي الذي أعاد تموضع موسكو على الصعيد العالمي بعد الزمن السوفياتي، وعلى الصعيدين الآسيوي والأوروبي بشكل خاص كلاعب أساسي: الحرب في أوكرانيا وحول أوكرانيا خير دليل على ذلك. ولا بد من التذكير أن الحرب الأوكرانية كانت عنصراً أساسياً في إعادة إحياء دور منظمة حلف شمال الأطلسي بعد مسار تهميش دورها غداة انتهاء الحرب الباردة.

من أهم سمات «الترمبية» أو رؤية ومقاربة دونالد ترمب للشؤون الدولية ما ستكون لها تداعيات أساسية على العلاقات الأطلسية أو الغربية ما يلي:

أولاً: سياسة الأحادية الحادة والناشطة على حساب ما يعرف بالدبلوماسية متعددة الأطراف التي تقوم على التعاون الدولي بأشكال وصيغ مؤسسية مختلفة. انسحاب ترمب في رئاسته الماضية من اتفاقية باريس للمناخ ومن منظمة «الشراكة العابرة للهادئ» خير دليل على ما ذكر.

ثانياً: إذ ساهمت الحرب الأوكرانية في إعادة إحياء عملي لمنظمة حلف شمال الأطلسي في ظل إدارة الرئيس بايدن، بعد احتضار ذاك الدور، فإن عودة ترمب برؤيته للتعاون الدولي ستعيد إحياء الأزمة الأوروبية الأميركية في إطار الحلف. ترمب يعتبر أن على الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف زيادة نسبة مساهمتها في ميزانية الحلف وفي تحمل نسبة أكبر بكثير مما هو قائم، مادياً وسياسياً، في المسؤوليات والمتطلبات التي تسمح للحلف الأطلسي بالحفاظ على دوره ومصداقيته في بيئة دولية متغيرة بشكل كبير... وذلك رغم أن السياسة الأحادية عند ترمب تزيد من نسبة الخلافات بين الأعضاء وبالطبع فإن واشنطن ليست المسؤولة الوحيدة عن ذلك.

ثالثاً: إذا كان العنصران السابقان يزيدان من التوتر في العلاقات الأميركية الأوروبية فإن السياسة الحمائية التي يعود إليها ترمب بقوة تحت عنوان حماية الاقتصاد الأميركي، وبالتالي محاربة البطالة في الولايات المتحدة وذلك من خلال تقليص التبادل الاقتصادي «السهل»، الذي يسمح للسلع الأوروبية بشكل خاص باجتياح السوق الأميركية بشكل كبير. فالولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأول لأوروبا، وبالتالي كما سيفعل ترمب فإن فرض تعريفات جمركية مرتفعة على دول «الحليف والشريك الاستراتيجي الأوروبي» سيؤدي إلى تقليص كبير في تلك الصادرات ويعرض الاقتصاد الأوروبي لأزمة بنيوية صعبة وذات تكلفة غالية على المجتمعات الأوروبية من خلال ضرب قطاع الصناعة الأوروبي وتراجع دوره وقوته الإنتاجية والتشغيلية بشكل كبير، وخاصة في دول مثل ألمانيا مما يزيد من الأزمات المختلفة التي تعيشها «القارة القديمة». وما سيزيد من حدة الأزمة في أوروبا تحول الإنتاج الصيني مع ازدياد التعريفات الجمركية الأميركية عليه نحو السوق الأوروبية بسبب الاختلال في تكاليف الإنتاج لمصلحة الصين مقارنة بأوروبا.

رابعاً: ازدياد التقارب الأميركي في ظل إدارة ترمب مع اليمين الأوروبي المتشدد تحت عناوين مشتركة منها محاربة الهجرة غير الشرعية وازدياد منسوب الخطاب ضد «الآخر» المختلف، سواء في الداخل أو في الخارج والتركيز على التعاون الأحادي الذي يساهم أيضاً في إضعاف التحالف الغربي بمفهومه الواسع. يحصل ذلك فيما تشهد أوروبا تراجعاً كبيراً في مسار بناء البيت الأوروبي، خاصة على الأصعدة السياسية والدفاعية والأمنية المشتركة. وقد دفع ذلك الرئيس الفرنسي لإطلاق الصرخة منذ أيام قليلة بضرورة إحياء عملية البناء الأوروبي في المجالات المشار إليها.

خامساً: بالنسبة لإدارة ترمب فإن نظرية الدبلوماسية التعاملية transactional، التي يعتنقها ترمب والقائمة على المقايضة بالقطعة كما يقال، وعلى المنطق المصلحي البراغماتي تدفع ترمب للانفتاح الكبير على موسكو وإبداء الاستعداد ضمن هذا المنطق للتوصل إلى تفاهم يوقف الحرب الأوكرانية. إن تراجع أو تخفيض أو انسحاب الولايات المتحدة من دورها الراهن فيما لو حصل يفرض على الأوروبيين التوجه نحو العمل على تسوية مع موسكو لن تستطيع أوكرانيا رفضها. وتبقى الصين الشعبية من منظور ترمب الخصم الأساسي في الاستراتيجية والسياسة والاقتصاد بالنسبة للولايات المتحدة، الأمر الذي ينقل قلب الصراع بشكل كبير نحو مسرح «المحيطين» الهادئ والهندي.

ملاحظة أخيرة: فيما يتعلق بالشرق الأوسط فهذا موضوع آخر نعود إليه مستقبلاً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السّمات الدولية لسياسة ترمب السّمات الدولية لسياسة ترمب



GMT 19:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:29 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 19:25 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

خطيب العرابيين!

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

روشتة يكتبها طبيب

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أنجيلا ميركل؟!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib