حرب العلاقات العامة

حرب العلاقات العامة!

المغرب اليوم -

حرب العلاقات العامة

محمد الرميحي
بقلم - محمد الرميحي

في عالمنا، الغاطسةُ شريحةٌ وازنةٌ منه في فكر القرون أوسطية، من المبكر أن نقرأ ما يمكن أن يحدث في ساحة الشرق الأوسط بعد اغتيال حسن نصر الله، وحروب العلاقات العامة، كما حدث في الرد الإيراني ليلة الأربعاء الماضي.

السردية الإيرانية تقول إنهم أعطبوا مؤسسات حيوية في إسرائيل، والسردية الإسرائيلية ومعها الغربية تقولان إنه لا تأثير يذكر من الهجمة الصاروخية، ولدى المتحمسين لهذا الطرف أو الآخر قناعات بما يقدم من سرد، الحقيقة المعروفة أن أول ضحية في الحرب هي (الحقيقة)، لأول مرة أعرف من متابعة محللين غربيين عسكريين، أن الصواريخ المضادة للصواريخ، مكلفة الثمن، فإن تأكد المتلقي (في هذه الحالة إسرائيل) أن الصاروخ القادم سوف ينتهي في أرض فضاء أو بعيداً عن التجمعات البشرية تركه يسقط، لأن تكلفة صده أكثر من تأثيره على الأرض، ربما هذا يفسر أن صاروخاً إيرانياً قد قتل فلسطينياً في أريحا، وكأن الفلسطينيين يحتاجون إلى مساعدة لقتلهم، وآخر سقط في الأردن!

في الأغلب إن الثأر لنصر الله وهنية مجتمعين بزخة من الصواريخ متفق عليها، من أجل سحب شحنة الغضب لدى قطاع من الإيرانيين وأيضاً اللبنانيين، وبعض العرب، وذلك في الصراع الدولي متوقع، حيث يرتاح متخذ القرار ليقول لجمهوره: قمنا بما يتوجب القيام به!

إلا أنَّ المعادلة على الأرض مختلفة تماماً، فالأميركان والبريطانيون والفرنسيون والألمان والإسبان وغيرهم قد أدانوا الرشقة الصاروخية، وحمّلوا إيران المسؤولية، مما يجعلها أكثر عزلة، حتى لو كانت الرشقة متفقاً عليها في الوقت والمكان.

منشأ الاشتباك هو ما حصل لقوة «حزب الله» في لبنان، الذي ترى إسرائيل أنه رأس حربة إيرانية يمكن أن يستخدم إذا هدّدت إيران بشكل فعلي، ما أصابه هو الذي أحرج إيران، وبدأت تبحث عن مخرج ولو شكلياً.

في ذروة الدعم المادي والعسكري الإيراني لـ«حزب الله» أحرق الحزب الكثير من المراكب في جواره، فقام بعملية تصحير للفضاء السياسي اللبناني، الذي كان لفترة طويلة مبنياً على تسوية (لا غالب ولا مغلوب)، أحرق تلك الجسور بينه وبين شركاء في الوطن باستهداف عدد كبير من السياسيين اللبنانيين وقتلهم، بل وحتى المثقفين من الطائفة نفسها، التي سماهم مرة حسن نصر الله «شيعة السفارة»! بتصفيق حاد من الجمهور المغيب، كما أحرق جسوره مع العرب، فشنّ حملة شعواء عليهم، وخاصة عرب الجزيرة في ضياع واضح للبوصلة، وخدمة لمشروع آخر!

في الداخل اللبناني كانَ الاستقواء هو السيف المصلت، وكلما نجح في إسكات الآخرين اعتقد أنَّه سلاح يؤتي أكله بنجاح.

في عصرنا الذي تجتاحه الثورة الاتصالية، كثيراً ما وجدنا شخصاً لبنانياً أو أكثر من بيئة الحزب في حالة ضيق مما يعاني، يخرج إلى العلن ليبدي تذمراً واعتراضاً على الحزب، وفي بضع ساعات أو أقل نراه يعتذر إلى حد الذل للقيادة! وتكرر ذلك كثيراً حتى أصبح ظاهرة إنسانية مزرية، ولم يقرأ الحزب تلك الظاهرة، بل استمر في الإرغام وإرهاب الغير.

أصبح الحزب متوحشاً في الداخل، وظهره مكشوفاً، وكان الأمر مجرد وقت حتى يُستهدف معزولاً بيد ثقيلة، وفي النهاية يفقد أهم قياداته، وعلى رأسهم حسن نصر الله.

السؤال الأكثر أهمية: هل يمكن للقيادة الجديدة التي سوف تتقلد الزعامة أن تستوعب تلك الدروس القاسية التي مرَّ بها الحزب ولبنان، أو سوف تستمر في المسار نفسه؟ سؤال لا يمكن الإجابة عنه اليوم، ما زال الجميع ينتظر ويحلل وينظر حوله، خاصة السياسيين اللبنانيين وأيضاً في الجوار العربي.

إن نظرنا إلى المستقبل من أجل خروج لبنان من المأزق، فأربع خطوات واجبة لإخراجه مما هو فيه، ليس من بينها بالتأكيد صواريخ إيران، الخطوات هي أولاً سلاح موحد فقط للجيش اللبناني، وبقية القوى هي أحزاب سياسية غير مسلحة تتنافس في الساحة تحت راية وطنية جامعة، وثانياً العودة إلى الدولة بتفعيل المؤسسات من رئاسة الدولة إلى رئاسة مجلس الوزراء، ثالثاً تحييد لبنان في القضايا الإقليمية، ورابعاً العمل على إنعاش الاقتصاد الذي أنهك، وقذف بشريحة كبيرة من اللبنانيين إلى حافة الفقر.

تلك الخطوات الأربع هي المطلوبة للخلاص، والخروج من دوامة الدم، واستخدام بعض أبنائه ضحايا لمشروعات إقليمية ليس من بينها بالتأكيد تحرير شبر من فلسطين. فالفجوة التقنية الهائلة التي يفتقدها، والتنظيم الحضاري غير المتوفر لديه، وفقده لظهير داخلي مساند، جعلته فريسة سهلة لن تنقذه صواريخ متفق على مسارها ومصيرها.

ليس سهلاً توقع ما سوف يتم في الأشهر القليلة المقبلة، إلا أن الحقيقة الشاخصة أن الاستمرار في السياسات السابقة إفلاس كامل ومزيد من الخراب، إنها مرحلة تاريخية فاصلة.

آخر الكلام: المعادلة التي أوقعت الحزب في مأزق، أنه استخدم فائض قوة في الداخل، وخائر قوة تجاه الخارج، كان ذلك إفراطاً في عدم قراءة الواقع.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب العلاقات العامة حرب العلاقات العامة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 09:19 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
المغرب اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 01:29 2023 السبت ,23 أيلول / سبتمبر

فيسبوك يغير شعاره إلى اللون الأزرق الداكن

GMT 20:43 2023 الإثنين ,01 أيار / مايو

المغرب يُنافس في بطولة العالم للملاكمة

GMT 21:54 2023 الجمعة ,17 شباط / فبراير

الليرة تسجل تدهوراً جديداً فى لبنان

GMT 23:47 2023 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

أسواق الخليج تتباين ومؤشر "تداول" يتراجع 0.2%

GMT 20:22 2022 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة "بيتكوين" تخسر أكثر من عشر قيمتها في 24 ساعة

GMT 08:05 2022 الأحد ,20 آذار/ مارس

مطاعم لندن تتحدى الأزمات بالرومانسية

GMT 15:13 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

شاب يذبح والدته ويلقيها عارية ويثير ضجة كبيرة في مصر

GMT 12:02 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

تعرفي علي اطلالات أزياء أمازيغية من الفنانات مغربيات
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib