بومبيو والانتصار من دون رصاص

بومبيو والانتصار من دون رصاص

المغرب اليوم -

بومبيو والانتصار من دون رصاص

بقلم - عبد الرحمن الراشد

«نمر في أوقات عصيبة، ومن الضروري أن نقف في وجه التهديدات بشجاعة وقوة... ونحتاج إلى جهود دبلوماسية قوية في الشرق الأوسط لكبح سلوك إيران المزعزع للاستقرار في سوريا واليمن والمنطقة». هذا جزء من خطاب وزير الخارجية الأميركية الجديد، مايك بومبيو، لموظفي وزارته وعددهم يفوق السبعين ألف شخص.
وللولايات المتحدة قدرة هائلة على إضعاف أي نظام تعاديه، وربما القضاء عليه، دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة، كما قال بومبيو. وهو ما كاد يحدث لنظام إيران عندما رفعت واشنطن مستوى العقوبات في عام 2006 بعد قرار مجلس الأمن رداً على إصرار النظام على المضي في مشروعه النووي.
العقوبات شملت منع تصدير الكثير من السلع، بما فيها المنتجات النفطية المكررة إلى إيران وكانت تستورد نصفها، ومنعت التعاملات المصرفية، وعطلت عمليات حركة الأموال بينها وبين معظم بنوك العالم، ولاحقت شركات البترول الدولية لتمنعها من الإنتاج. ومنعت واشنطن منح التأمين لناقلات النفط الإيراني، وبنت جداراً إلكترونياً سدّ كل التعاملات بما فيها تسجيل المواقع وخدمات الإنترنت. من دون دولارات ومعلومات ومصارف وتأمين شلت قدرات النظام الإيراني، لم يعد يستطيع أن يتاجر ولا يستورد، ولا يُؤمِن حاجات مواطنيه.
هذه الوسائل تتطلب عملاً دبلوماسياً معقداً، وصبراً سياسياً طويلاً، وأجهزة استخبارات مطلعة ودقيقة تتأكد من تطبيق القرارات، وهو ما نجحت فيه واشنطن في تلك الفترة. بسبب الضغط الهائل اضطر النظام الإيراني للتواصل سراً، بعد ثلاث سنوات، مع إدارة باراك أوباما يرجوها التفاوض بعيداً عن الأعين. وتزامنت الاتصالات مع الثورة الخضراء في طهران، التي هزت أركان النظام. وبدأ مسار طويل من المخاطبات والمحادثات بين الجانبين. ثم اضطرت إيران إلى المزيد من الانحناء بعد قيام الثورة في سوريا، حليفتها الاستراتيجية في المنطقة. ومقابل وقف إيران مشروعها النووي لأغراض عسكرية وافقت الإدارة الأميركية مع حلفائها الأوروبيين على إبرام صفقة سرية ترفع بموجبها العقوبات الاقتصادية وتمتنع عن إسقاط النظام السوري. واكتشف الإيرانيون، وهم تجار ماهرون في المساومة، أن الرئيس أوباما مستعد لمنحهم المزيد مقابل الاتفاق، فأخذوا أضعاف ما كانوا يحلمون به، من بينها مدفوعات مالية ضخمة لهم، وإيقاف كل الحملات العدائية ضدهم، وغض النظر عن تمددهم العسكري في المنطقة.
وحتى بارتكاب واشنطن هذه الأخطاء الخطيرة فإن العمل الدبلوماسي الذي قادته لسنوات أنجب اتفاقاً مهماً أجبر نظام خامنئي على التنازل دون إطلاق رصاصة واحدة، وهذه قوة أدوات الدبلوماسية الأميركية كما وصفها بومبيو في خطابه قبل أيّام. ويبدو أنها تحقق الشيء نفسه ضد نظام كوريا الشمالية. والخشية أن الأخطاء التي ارتكبت في التعامل مع إيران قد تتكرر مع كوريا الشمالية، لأن الظروف مشابهة. فالإدارة الحالية محتاجة إلى تفاهم أولي مستعجل استباقاً لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، عندما يحين موعد انتخابات الكونغرس، التي على الرئيس أن يكسب واحداً من المجلسين، وإلا فإنه سيفقد الكثير من نفوذه، ويصبح رهينة خصومه في الحزب الديمقراطي.
إنما اللجوء إلى الدبلوماسية وحدها لإجبار نظام طهران على احترام مبادئ الأمم المتحدة، بوقف نشاطاته وتدخلاته في العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن، ستنجح لكنها لن تحقق نتائج سريعة. فالعمل الدبلوماسي ميزته أنه بلا دم ولا رصاص، لكنه بطيء جداً ونتائجه ستتأخر طويلاً تجاه القضايا الملتهبة مثل الحروب.
والخشية أن يستغل نظام كوريا الشمالية رغبة واشنطن الجارفة لعقد اتفاق نووي تاريخي ليضغط أكثر. ولا أستبعد أن يحاول الزعيم الكوري الشمالي إنقاذ حليفه خامنئي بإقناع الأميركيين بأن أي تراجع من جانبهم في الالتزامات تجاه الإيرانيين يقلل من صدقية مفاوضاتهم معه. وقد تكون مخاوفي هذه لا أصل لها لكننا نعرف حجم العلاقة بين النظامين المتطرفين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بومبيو والانتصار من دون رصاص بومبيو والانتصار من دون رصاص



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 01:29 2023 السبت ,23 أيلول / سبتمبر

فيسبوك يغير شعاره إلى اللون الأزرق الداكن

GMT 20:43 2023 الإثنين ,01 أيار / مايو

المغرب يُنافس في بطولة العالم للملاكمة

GMT 21:54 2023 الجمعة ,17 شباط / فبراير

الليرة تسجل تدهوراً جديداً فى لبنان

GMT 23:47 2023 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

أسواق الخليج تتباين ومؤشر "تداول" يتراجع 0.2%

GMT 20:22 2022 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة "بيتكوين" تخسر أكثر من عشر قيمتها في 24 ساعة

GMT 08:05 2022 الأحد ,20 آذار/ مارس

مطاعم لندن تتحدى الأزمات بالرومانسية

GMT 15:13 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

شاب يذبح والدته ويلقيها عارية ويثير ضجة كبيرة في مصر

GMT 12:02 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

تعرفي علي اطلالات أزياء أمازيغية من الفنانات مغربيات
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib