سوريّا ولبنان طور خارجي معبّد وطور داخلي معاق

سوريّا ولبنان: طور خارجي معبّد وطور داخلي معاق

المغرب اليوم -

سوريّا ولبنان طور خارجي معبّد وطور داخلي معاق

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

ربّما جاز الحديث عن طورين يتخلّلان خروج السوريّين واللبنانيّين من محنتهم المديدة: الطور الأوّل الذي ينقضي راهناً هو طور الهيمنة الخارجيّة الإيرانيّة، ومعها الروسيّة في حالة سوريّا. وإذا صحّ أنّ العوامل الخارجيّة استندت إلى مرتكزات داخليّة، كما لا تزال تربطها بالتراكيب الداخليّة جسور متينة (كرغبة تركيّا في إخضاع الكرد السوريّين، وبقاء سلاح «حزب الله» المرهون باستمرار ما تبقّى من نفوذ لإيران)، يبقى الصحيح أيضاً أنّ التخلّص من هيمنة الخارج كان شرطاً شارطاً لإطاحة الوضعين القائمين السوريّ واللبنانيّ. إلاّ أنّ التخلّص ذاك، الذي بذل السوريّون خصوصاً، ولكنْ ايضاً اللبنانيّون، تضحيات هائلة لأجل بلوغه، جاء نتيجة عنصر خارجيّ في آخر المطاف، تماماً كما أنّه هو نفسه عنصر خارجيّ. وقد يجادل البعض بحقّ بأنّ إطاحة أنظمة شديدة البطش والعنفيّة تبقى عملاً شبه مستحيل دون عنصر مضادّ لها يفد من الخارج، سيّما وأنّ القوى المستولية على السلاح لا تكنّ أيّ تقدير لنشاطات الاحتجاج السلميّ ولا تأخذه بعين اعتبارها. بل قد يقال أيضاً إنّ جميع تجارب التغيير التي نعرفها في منطقتنا العربيّة استلزمت تدخّلاً خارجيّاً هو الذي حسم الأمر المُمضّ العالق: فنظام البعث في العراق استمرّ ما بين 1968 و2003 حين أسقطه تدخّل أميركيّ واسع النطاق تحوّل احتلالاً، ونظام القذّافي في ليبيا عاش من 1969 حتّى 2011 حين قضى عليه حلف الناتو في دعمه ثورة الليبيّين. وفي المقابل، لم يسقط نظام بشّار في سوريّا عام 2013 حين استنكفت أميركا والناتو عن التدخّل، لكنّه سقط، في المرّة الثانية، في واحد من تداعيات عامل خارجيّ استدعته عمليّة «طوفان الأقصى» في غزّة وإسرائيل.

بيد أنّ انقضاء الطور الخارجيّ، في شكله العدوانيّ هذا، يضعنا أمام الطور الثاني الذي نعيشه راهناً، وهو الداخليّ والأهليّ. فعلى رغم التفاوت في حجم الأزمتين ومستوى الخطرين، تواجه سوريّا مشكلة العلاقة بين طوائفها وجماعاتها، والبحث تالياً عن نظام يضمن تعايش أبنائها بتساوٍ وعدل. ويواجه لبنان مسائل الانتقال إلى وضع جديد تترجمه عناوين يوميّة صعبة ومعقّدة، كتشكيل حكومة بديلة وجلاء المحتلّ الإسرائيليّ وإعادة تنظيم العلاقة بين الطوائف والجماعات. صحيح أنّ انتخاب رئيس جمهوريّة، وتكليف رئيس حكومة، قطعا باللبنانيّين شوطاً إلى الأمام في تعاملهم مع الداخليّ والأهليّ، لكنّهما أيضاً وضعاهم أمام مأزق بات ردّه إلى الخارج ضعيف الإقناع، وباتت مسؤوليّة الداخل عن حلّه أشدّ حضوراً. فإذا كان التخلّص من العنصر الخارجيّ الشرطَ الضروريّ غير الكافي، فإنّ الطور الثاني يرفع في وجوهنا تحدّي بناء المجتمع والسياسة الذي على السوريّين واللبنانيّين أن ينجزوه.

لقد قيل، بعد إضعاف «حزب الله» نوعيّاً وإطاحة الأسد، إنّ البلدين عادا إلى «نفسيهما»، وهذا ما كان سبباً لاحتفال واسع ومُبرّر لدى أكثريّات الشعبين. لكنْ ما العمل حين تكون «النفس» التي تمّت العودة إليها «نفوساً عدّة». هكذا نلاحظ، مثلاً لا حصراً، أنّ اللبنانيّين أقلّ حماسة من دول «الخماسيّة» لتشكيل حكومة وإجراء إصلاحات. أمّا في سوريّا فالصورة أشدّ فداحة، إذ النظام الأسديّ اندثر وتلاشى، وهذه هديّة استثنائيّة لنظام جديد، مع ذلك لا يبدي المجتمع ما يطمئن إلى وضع جديد متجانس ومستقرّ، وهذا علماً بأنّ الوضعين الجديدين في البلدين يحظيان باحتضان ورعاية عربيّين ودوليّين.

هكذا قد يميل بنا الظنّ إلى افتراض أنّ مجتمعاتنا تنتقل من طور خارجيّ عدوانيّ كالذي عشناه مع النفوذ الإيرانيّ، على شكل ميليشيات وسلاح وزجّ في صراعات لا حصر لها، إلى طور داخليّ مأزوم. وربّما للسبب هذا، والتفافاً على الأزمة، نشهد الآن تمديداً للطور الخارجيّ، وإن في شكل صديق وغير عدوانيّ، حلاًّ لمشاكلنا ووعداً بإعادة إعمارنا. لكنّ تمديد الطور الخارجيّ قد يتّخذ أشكالاً أخرى منها المُقلق والضارّ، كأنْ تستغلّ تركيّا لزاجة الوضع السوريّ لتصفية الحساب مع الكرد، أو كأنْ يستمرّ الربط بين تذليل العُقد اللبنانيّة وما قد يحصل على الجبهة الأميركيّة / الإسرائيليّة – الإيرانيّة. فنحن عالقون في طور خارجيّ بعضه مفيد وبعضه مؤذٍ، لكنّ المؤكّد أنّ الطور الداخليّ سيبقى إلى أمد طويل مأزوماً، وربّما مسدوداً. ومن يدري، فقد يكون مفيداً أن نقرن التفاؤل الذي نعيشه بسقوط الوضعين السابقين في سوريّا ولبنان بشيء من التأمّل في الكيانات السياسيّة نفسها، وفي قدرتها، هي المتناحرة حتّى العظم، على أن تكون حاضناً لعمليّة الانتقال إلى طور داخليّ مفيد. وهناك جبل من البراهين على أنّ حقبتنا ما بعد العثمانيّة لم تطوّر وطنيّات فعليّة متجاوزة لمكوّناتها، تترجمها دول – أمم ذات حدّ مقبول من الإجماعات، وهناك، للمرّة المليون، ما يوجب على السوريّين واللبنانيّين أن يعيدوا التفكير في اجتماعهم السياسيّ بعدما كان النظامان المسنودان بإيران يسهّلان علينا التفكير.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريّا ولبنان طور خارجي معبّد وطور داخلي معاق سوريّا ولبنان طور خارجي معبّد وطور داخلي معاق



GMT 19:07 2025 الإثنين ,27 كانون الثاني / يناير

الذكاء بلا مشاعر: اسأل سواي

GMT 19:05 2025 الإثنين ,27 كانون الثاني / يناير

بيروت... زائر اسمه الأمل

GMT 19:03 2025 الإثنين ,27 كانون الثاني / يناير

أم كلثوم ومنى الشاذلي... قضية «فيمينست»

GMT 19:01 2025 الإثنين ,27 كانون الثاني / يناير

الحكومة لبنانية تتغلب على الهواجس والعراقيل

GMT 18:56 2025 الإثنين ,27 كانون الثاني / يناير

استغاثة إلى وزير التعليم

GMT 18:50 2025 الإثنين ,27 كانون الثاني / يناير

«عاش هنا» لوحات بلا أسماء!!

GMT 18:47 2025 الإثنين ,27 كانون الثاني / يناير

الأزمة والفرصة

GMT 18:45 2025 الإثنين ,27 كانون الثاني / يناير

كوافير حماس!

هيفاء وهبي تخطف الأنظار بحقائب صغيرة وتتصدّر أحدث صيحات الموضة

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 13:05 2025 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

أحمد فهمي يكشف عن العيوب القوية في شخصيته
المغرب اليوم - أحمد فهمي يكشف عن العيوب القوية في شخصيته

GMT 00:32 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

نهضة بركان يعود بفوز ثمين من جنوب أفريقيا

GMT 19:04 2018 الثلاثاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أسامة هيكل يعلن عن خطة ترويجية لمدينة الإنتاج الإعلامي

GMT 20:21 2018 الأربعاء ,04 تموز / يوليو

الدرك الملكي يعتقل متهمين بالتحرش في شيشاوة

GMT 03:10 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

أيتن عامر تستعد لعرض فيلم "بيكيا" مع محمد رجب

GMT 03:04 2018 الثلاثاء ,29 أيار / مايو

الجزائر تنظم أكبر مائدة إفطار في العالم

GMT 00:24 2018 الأحد ,13 أيار / مايو

6.6 مليارات دولار أرباح سوني العام الماضي

GMT 03:58 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

"آبل" تحدد موعد إطلاق سماعتها الذكية "HomePod"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib