بقلم - طارق الشناوي
مشروع «عاش هنا» مُهدَّد بالفناء. الكاتبة الصحفية الكبيرة منى ثابت، شاهد عيان على ما حدث، بعد أن تعددت عدد مرات سرقة اللوحة التي تحمل اسم زوجها الناقد الكبير الراحل الأستاذ رؤوف توفيق. منى حالة استثنائية بين أصحاب اللوحات. بطبيعة تكوينها لا تعرف الاستسلام. سرقة اللوحة المعلقة فوق باب بيتها صارت خبرًا متكررًا، في المرة الثالثة، كانت قد تعلمت الدرس، فقامت بكهربة محيط اللوحة حتى تعجز يد السارق عن الوصول إليها، إلا أنه- أقصد السارق- تعلم هو أيضًا الدرس، بعد أن تكهربت يداه، فأحضر معه سلمًا خشبيًّا وعصا، ونزع مفتاح الكهرباء. الغريب أنه تم تصويره، في المحاولتين الفاشلة والناجحة. كاميرا البنك الملاصق للمنزل التقطت المشهد كاملًا، وتقدمت منى بالواقعة مصورة إلى الأجهزة الأمنية، وفى نفس الوقت صار جهاز «التنسيق الحضارى» طرفًا في المتابعة حتى يتم تركيب لوحة أخرى. تظل منى حالة استثنائية. عدد من ورثة أصحاب اللوحات ليس لديهم هذا الدأب. مثلًا في حى المنيل الذي أقطن به سُرقت تقريبًا كل اللوحات، ويشترط القانون حتى يتم تركيب اللوحة أن يتقدم الورثة بشكوى إلى الجهاز، ويدفعوا ثمن اللوحة الجديدة، رغم أنهم ليسوا مسؤولين قانونًا عن الحفاظ على اللوحة المعلقة من قِبَل الدولة أمام البيت في الشارع. الأمن في الشارع هو مسؤولية الدولة أولًا وثانيًا وعاشرًا، وعلى مدى عام لا تزال اللوحات معلقة بلا أسماء.
العديد من الشخصيات العامة سُرقت لوحاتها «عينى عينك». رصدت الكاميرات المنتشرة اللصوص في العديد منها، ولم يستطيعوا الإمساك بهم. لدينا عصابة تسرق الكحل من العين. تنزع اللوحة النحاسية من أمام البيت. آخر ما خطر على بال رئيس جهاز «التنسيق الحضارى»، المهندس محمد أبوسعدة، أن يواجه هذا النوع من السطو الذي يتدثر بالوقاحة، عندما سُرقت لوحة الإعلامى والناقد الكبير يوسف شريف رزق الله، أخبرنى ابنه أحمد، وأكد أيضًا أن في العمارة المقابلة لهم بحى مصر الجديدة سُرقت لوحة تحمل اسم الفنان الكبير نظيم شعراوى. هذه المرة علمت بالمصادفة أن لوحة الأستاذ يوسف قد سُرقت مجددًا، أحمد وجدها حالة عبثية، لا جدوى منها، فلم يتقدم بالشكوى .
سألت المستشار القانونى د. حسام لطفى عن العقوبة التي تنتظر السارق، قال لى: في الحد الأقصى تصل إلى سجن مرتكب تلك الجنحة سبع سنوات.
جهاز «التنسيق الحضارى» أعاد تصنيع اللوحات من مادة أخرى غير نحاسية، لونها أصفر، زهيدة الثمن، حتى لا تغرى أحدًا، والمشكلة أن اللصوص لدينا ليسوا متخصصين في اكتشاف النحاس من «الكارتون» المقوى، وهكذا تعددت السرقات ولا تزال بسبب جهل السارق.
المشروع القومى «عاش هنا» استطاع خلال سنوات قلائل نشر ثقافة مجانية في الشارع. يُنشط ذاكرة العابرين، عندما يقرأ أحدهم الاسم، ويبدأ في تداعى المعلومات عن تلك الشخصية. «الباركود» المطبوع على اللوحة يقدم له المزيد من المعلومات.
عشت زمنًا كنا نعرف فيه «حرامى الغسيل» الذي يلتقط، خاصة في الشتاء وفى أنصاص الليالى، الملابس المنشورة على الحبل. اختفى حرامى الغسيل. البضاعة لم تعد مغرية، ولو لمحه أحد من الجيران فسيلقى ما يناله «حمار في مطلع».
الحرامى حاليًا صار يسرق بأريحية. لا أحد يتحرك في الشارع أو من الجيران، وتلك قضية أشد ضراوة، عندما يتعايش المواطن سلميًّا مع الحرامية. أنقذوا من الضياع مشروع مصر الحضارى «عاش هنا»!!.